منتدى المستحيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المستحيل

free3
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سيره حياه الاديب العالمى تولستوى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:23 pm

[size=18]
هو يعتبر عميد الادب الروسى
وهو الذى كتب عذابات الفلاحين والام الشباب والمراهقين
رغم كبر سنه
وهذه الصفحات اوردها الكاتب نجم عبد اكريم ونقلها ايلاف
وبدورى لاهميتها وثراء معانيها وقيمتها الادبيه
وهى عباره عن 6 حلقات

الحلقه الاولى

]في الثانية والثمانين•• يهرب من زوجته



حين بلغ الثمانين من عمره، شيخاً وقوراً، تضرب
شهرته آفاق الدنيا كأعظم روائي أنجبته الأرض الروسية الخصبة بالعبقريات،
الولاّدة للكفاءات في كل مناحي النشاط البشري. كان رغم سنه المتقدّمة
ممثلاً لكل طموحات الشباب، بل والمراهقين، فعندما سأله أحد تلاميذه من
الشباب عن سرّ تعايشه مع قضاياهم وهو في الثمانين، قال له: «ليس في الأمر
سرّ يا بني. فمنذ صباي الباكر أكره العنف وأدعو إلى السلام. العنف يسرع
بكل شيء إلى التعفن والفساد! مع العنف يصبح الشباب في حالة من الشيخوخة
المروعة! ولكن مع السلام تزدهر ورود الخريف في قلوب كبار السن بنفوس نضرة!
وتغدو كالربيع في القلوب! ولذلك أدعوكم أيها الشباب إلى نبذ العنف
وكراهيته! حاربوا دعاة الحرب حتى يغدو العالم كله شباباً ولو بلغ أهله
الثمانين مثلي هكذا!». وبمناسبة بلوغ تولستوي الثمانين جاءته إلى قريته
بعثة سينمائية لتنتج فيلماً قصيراً عن حياته. فقال لابنته: «أحسنوا
ضيافتهم في (إيزيانا/ بوليانا)- وهذا هو اسم مزرعته وفيها قصره- ثم
أوصاها: «بحق السماء اذكروا لهم بوضوح أنني لا أريد أن أدخل في حوار حول
حياتي الماضية وتفاصيل ظروف كتابة رواياتي!». فتقول له ابنته: لماذا يا
أبتِ؟!. إن روسيا كلها تنتظر كلماتك في أكثر من موضوع يشغل بال الناس! عن
رأيك في الدين؟! في التقاليد القديمة؟! في حال الفلاحين والحرفيين
والعمال؟! في مشروعك الذي وضعت بعض بنوده موضع التنفيذ! وتنازلت لفلاحي
أرضك عن حقوقك؟! فيجيبها بمرح: إنك تماماً كأمك العزيزة! تسمّين تنازلي عن
أرضي لمن يزرعونها، تنازلاً عن حقوقي! ليست لي على الأرض حقوق يا ساشا! لا
على الأرض! ولا على الفلاحين الذين يزرعونها! وليس هذا اعتناقاً لآراء من
يسمونهم سراً البلشفيك! كلا. فهؤلاء يؤمنون بالعنف، وأنا أكره العنف! إنهم
يشكّكون في وجود الله! وأنا أومن به إيماناً لا يتزعزع..! فتفاجئه ابنته
بالقول: إن أسقف منطقة (تولا) جاء مع بعثة السينما ليكذّب من يقولون إنك
تحارب الأرثوذكسية! فيعلّق ساخراً: «هذا الأسقف، لديه رغبة كريمة في حماية
الكنيسة الأرثوذكسية، ولكنه يحرّف عن غير قصد بعض كلماتي وأقوالي!». فتقول
له ساشا بحماسة: إذاً فقُلها لرجال السينما! ستكون كلماتك هي التصحيح
النهائي لأفكارك الدينية! فيضع يده على كتف ابنته ويسيران معاً لبضع خطوات
في حديقة القصر، مواصلاً معها الحوار: «لماذا تسمينها أفكاراً يا ابنتي؟!
إنها عقيدة ثابتة، هداني الله إليها منذ مرضت وأنا في الخامسة والأربعين،
فصرت قريباً جداً من خالقي، إن الله الذي أحبه، وأعبده، وأتقيه يا ساشا هو
ليس الله الذي تصوّره الأفكار الجامدة، والثوابت القديمة! وحين أسبغ الله
عليّ ثوب الصحة، أبيت أن أحيد عن طريقه بالاستماع إلى تعاليم الأساقفة وما
يصوّرونه عن الله في مخيلتهم، والذي جعلوا منه محقّقاً لمصالحهم! لقد عرفت
ربي، ولا أريد أن أناقش أحداً في كيف عرفته؟! أعتقد أنه سبحانه لا يريد أن
يناقش الناس وجوده بالأساطير، والخرافات.. إنه هو الدليل على وجوده..».
ورفض أن يقابل رجال بعثة السينما، لكنهم صوّروه خلسةً وهو في الحديقة، ومن
المحزن أن يضيع ذلك الفيلم مع ما ضاع حين اقتحم البلشفيك في ثورتهم دار
المحفوظات القيصرية، إلا أن ابنته تاتيانا في كتابها الرائع عن أبيها،
زيّنته ببعض مناظر ذلك الفيلم التي صُوِّرَت خلسةً أثناء حديثه مع أختها
ساشا خلال زيارة البعثة. ومن أجمل فصول كتاب تاتيانا عن أبيها، هو تصوير
ذلك الحب العنيف والصادق الذي دخل حياته واستقر في قلبه ووجدانه لوالدتها
صوفيا، وهو لا يزال من أروع وأمتع قصص الحب الصادق، رغم فراره منها وهو في
الثانية والثمانين من عمره! تُرى لماذا فعل تولستوي ما فعل؟! لماذا خرج من
قصره الأنيق في مزرعة إيزيانا/ بوليانا في صقيع الشتاء.. هارباً من ذلك
الحب؟!


]تجسس الزوجة: [


ليلة الثامن والعشرين من أكتوبر عام (1910)، وفي
الساعة الثالثة قبل بزوغ الفجر، استيقظ تولستوي من نومه، على حركة غامضة
في غرفة مكتبه الملحقة بالمخدع. ومن وراء بابها، كانت تأتيه أصوات أشبه
بتقليب أوراق، وفتح أدراج وإغلاقها بحرص! كتب في صباح ذلك اليوم في دفتر
مذكّراته: «كانت تفتش في أوراقي! لماذا يا صوفيا؟! لماذا؟ أيلزم أن تعرفي
كل خلجات قلبي؟! وكل خطرات فكري؟! إننا كثيراً ما كنا نتناقش، نختلف في
أشياء، ونتفق في أشياء أخرى، ولكن حبك في قلبي لا يزال مزدهراً، كما رأيتك
لأول مرة، وأنت في السابعة عشرة! أعرف أنك تحبينني، وأنني أغلى وأثمن شيء
في حياتك! لماذا إذن تصرين على التجسس، وتقرئين كل ورقة في مكتبي؟! ويضيف:
أغرب ما في حبيبتي صوفيا أنها بعد أن انتهت من تفتيش أدراج مكتبي، كانت
تتسلّل على أطراف أصابعها، خشية أن توقظني! ثم تفتح برفقٍ الباب المؤدي
إلى مخدعي، وأنا أصطنع النوم، لتقول لي بهمسٍ: «هل أنت مستيقظ يا ليو؟!
أتريد شيئاً يا عزيزي؟!» ولم أرد عليها حتى لا أحرجها بعلمي بفعلتها. وبعد
خروجها اتجهتُ إلى مكتبي لأفحص دفتر مذكراتي اليومية الذي وضعته في درج
خاص لا تملك صوفيا مفاتيحه، رغم أنها لا تنتقل إلى أي مكان إلا وفي حزام
وسطها سلسلة مفاتيح كل الدار، بل حتى مفاتيح المخازن، أبت أن تسلمها لرئيس
الخدم، وحين لُمتها على ذلك•• قالت: «كانوا يسرقونك.. والباب المفتوح يغري
بسرقة ما فيه! ومنذ أربعين سنة والمفاتيح لا تفارق حزامها أبداً..». ثم
أخذ تولستوي يقلّب كراسة يومياته التي لم يطلع عليها أحد إلا بعد وفاته،
وتوقّف عند تاريخ الثامن من يناير (1869) يوم أخبره الناشر أن رائعته
(الحرب والسلام) قد تُرجمت إلى الإيطالية، وأنه يستعد للطبعة رقم (35)
باللغة الروسية، ويومها كتب في دفتر تلك اليوميات: «شيئان هما إكسير
حياتي! حبي التعبير عن أفكاري بالكتابة الروائية، وحبي زوجتي الحبيبة
صوفيا أندريفنا! ماذا يريد المرء من حياته أكثر من ذلك؟! لقد سعدت بحبي
لصوفيا! وسعدت بأبنائي، وسعدت بهذه المزرعة الكبيرة، والشهرة، والثراء،
والصحة، والسلامة البدنية والعقلية، ولكنني أحس بأن حياتي قد توقّفت فجأة!
لم تعد لدي رغبة في شيء. والحقيقة أن الرجل العاقل، يجب ألا يرغب في شيء!
إن الحياة نفسها وهم! وقد بلغت الحافة التي لا أجد بعدها إلا الموت! أجل.
هذا صحيح. الحياة وهمٌ كبير! وهأنذا المحسود على الثراء، وعلى السعادة
والشهرة. وعلى حبي لزوجتي! بتُّ أشعر بأنه لم يعد من حقي أن أعيش أكثر مما
عشت!». منذ ذلك اليوم، يوم الثامن من يناير عام (1869) لم يفارقه هذا
الهاجس قط! هاجس أنه عاش أكثر مما يجب أن يعيش! وها هو في هذه الليلة،
وبعد 41 عاماً مضت على ذلك الهاجس، يكتب في دفتر مذكراته: «النهاية باتت
قريبة جداً! أشعر بأنني ذاهب للقاء ربي بعد أيام قليلة! ربما بعد ساعات!
لقد عشت طويلاً جداً! أطول مما يجب! اثنان وثمانون عاماً، ومن المحزن أن
أضطر إلى الفرار من حبي الوحيد! من صوفيا أندريفنا. أمّ أولادي وحبيبة
قلبي. لم أعد أحتمل محاولاتها الدائبة للتجسس على كل خطرات فكري، وبات
إحساسي بضرورة الفرار إلى المجهول، يتزايد إلى الحد الذي يدفعني إلى
التنفيذ السريع لهذا القرار. في الغد سوف أرحل! أجل يجب أن أرحل. أعرف أن
صوفيا ستتألم كثيراً! ولكنني أنا أتألم كذلك، وربما أكثر مما تتألم هي!
ويجب ألا يعلم بمشروعي هذا إلا ابنتي ساشا، إنها لا تعارضني، لأنها
الوحيدة التي تدرك ما وصل إليه حنقي من هذا القفص الذهبي الذي سجنتني فيه
أمها المحبوبة إلى قلبي!». وعاد إلى فراشه محاولاً النوم، وفي الصباح كان
يشارك صوفيا على مائدة الإفطار الفاكهة وشراباً من عصير بعض الأعشاب
المهدئة لتقلّصات المعدة، فصاحت به بلهجة الآمرة الناهية: «إنك لم تشرب كل
ما في القدح يا ليو؟! فأنت تشكو من المعدة منذ أيام، فلماذا لا تطيع
أطباءك وتستمع إلى كلامي؟!». يتوقّف عن الطعام والشراب ناظراً إليها:
«ياصوفي! يا عزيزتي! يا حبيبتي! أنا أدرى بحالتي من الأطباء، إنهم يقولون
إن الداء في معدتي! وهذا كذب! الداءُ في هذا الضعف الذي أحالني حطاماً
مهدماً، حتى بتُّ لا أقوى على إصلاح بابٍ قديم! لأن العلم الطبي في روسيا
مازال متخلفاً، وكم دعوتُ إلى الانفتاح السريع على العلوم الطبية في كلٍ
من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا!». فتجيبه صوفيا وكأنها لم تسمع ملاحظته: «ما
يستطيعه أي طبيب أجنبي يستطيعه الطبيب الروسي!». فيبتسم تولستوي ويقول
لها: «كيف تكوني يا صوفيا بعد هذه السنوات بهذا المستوى من التفكير، مع
أنك اعتنقت بعض آرائي التي يسميها من يكتبون عني آراء وطنية؟!». تردّ
عليه: «أعتنق بعض آرائك، وليست كلها! وأنت تعلم يا ليو، أنني من أشد
المؤمنين بتعاليمك! إلا ما يتعلّق بالتنازل عن أملاكنا للفلاحين!».
فاستثارت ملاحظتها هذه حفيظته، طالباً منها عدم مناقشته في هذا الأمر،
فترفض الصمت وتستمر قائلةً: «يجب أن نناقشه يا ليو تولستوي! لماذا تريد أن
تدع أولادك للفقر؟!». فيخفف من لهجته وينظر إليها وعلى وجهه ابتسامة طافحة
بالحب: «يا صوفي! يا حبيبتي! لقد ناقشنا هذا الأمر مع أولادنا، وما اتخذته
من قرار لا رجوع فيه! وقال مواصلاً كأنه يخاطب نفسه: ولست أدري ماذا
ستفعلون بعد أن أموت؟! فارتفع صوت صوفيا محتجةً: «لماذا تتكلّم عن الموت
هذه الأيام يا ليو؟! أنت في صحة جيدة! ليس بك إلا هذه الاضطرابات
المعدية!». فيقول لها: «كلا ياصوفيا! العلّة ليست في المعدة. إنها هنا! في
القلب. لم يعد هذا العضو العجيب يدبّر أمور جسدي ببراعته القديمة!».
فتواصل صياحها: «ما هذا الهراء يا ليو؟! قلبك سليم مائة في المائة! ولا
تكثر الكلام عن الموت!».


]رسالة الوداع:



وقضى بقية يومه على كرسيه في الحديقة، وكان يدّعي
أنه بصدد كتابة روايةٍ جديدة، ولكنه في واقع الأمر كان يكتب مسودّة
الرسالة التي سيتركها لزوجته الحبيبة قبل أن ينفذ قراره بمغادرة إيزيانا/
بوليانا. وحين عاد إلى مكتبه في المساء، جلس يخط الرسالة التي زعم أنها
رواية جديدة. وكتب: «حبيبتي صوفيا. أعلم أنك ستتألمين كثيراً لرحيلي، وأنه
ليحزنني ذلك أشد الحزن، ولكنني آمل من كل قلبي أن تدركي الأسباب التي
تدفعني إلى ذلك الرحيل، ولم تكن أمامي وسيلة سواه لتلافي مأساةٍ قد تكون
مفجعة! لقد غدا وضعي في هذا البيت غير محتمل يا صوفي! لم أعد قادراً على
ممارسة الحياة اليومية في هذه الرفاهية التي تحيط بي، وبات الثراء يخنقني!
وقد طال صبري على هذا! حتى انقطع رجائي في مزيد من الصبر. يقيني شر اليأس
من عالمٍ تشهيّته كثيراً، كما يتشهاه كل عجوزٍ بلغ السن التي بلغت! وما
أنشده هو عالمٌ من السكون والوحدة، لا يفسده ضجيج المال، وأنانية الثراء،
ووحشية الرغبة في التملّك! أريد أن أقضي الأيام المتبقية لي من العمر في
سلام»• كان يرمي من وراء رسالته أن يقول لزوجته صوفي: كيف بلغ من ولعها
بإدارة شؤون المزرعة، لدرجة أنها صارت تقضي يومها كله وجزءاً من ليلها، في
تفقد شؤونها، ومناقشة الفلاحين، ومحاسبة تجار الغلال، والإشراف على مخازن
المحصولات، ومراقبة الخدم، حتى صار منظرها وهي تسير متنقّلة بين أرجاء
المزرعة والقصر، وسلسلة مفاتيح كل الأبواب معلّقة وسط حزامها، كأنها أشبه
بمنظر سجانات العصور الوسطى! ولكن رغم كل هذا، فقد كان يحبها حباً صادقاً
وحقيقياً، ومما كتبه أيضاً: «أرجوك يا صوفيا، لا تحاولي البحث عن مكاني
الذي سأذهب إليه، من أجل إعادتي إلى إيزيانا/ بوليانا، فإن هذا لن يفيد
أحداً شيئاً، بل سيزيد تعاستنا جميعاً، كما أنه لن يغيّر من عزمي على
الرحيل، وإني لأشكرك كل الشكر على الثمانية والأربعين عاماً من الحياة
الأمينة الكريمة التي أسعدِتني بها! وأتوسل إليك أن تغفري لي كل ما ارتكبت
من أخطاء في حقك! مثلما أغفر لك عن طيب خاطر غضبك ومعارضاتك الشديدة
المتعلّقة بقراري في التنازل عن أملاكي الشخصية للفلاحين! وأنصحك يا
حبيبتي بإخلاص بأن تحاولي التعايش في سماحة مع الموقف الجديد الذي سينشأ
برحيلي! وألا تحملي لي بسببه في قلبك أية ضغينة، أو كراهية، وإذا أردت أن
تعرفي شيئاً عن أنبائي بعد أن أستقرّ في المكان الذي سأرحل إليه، والذي لا
أعرفه إلا بعد أن أصل إليه، فستجدين بغيتك عند ابنتنا العزيزة ساشا، فهي
وحدها التي سأخصها بذكر مكان حياتي الجديدة، وقد وعدتني بألا تذكر لك أو
لسواك مكاني». ووضع الرسالة مطويةً فوق مكتبه ليعطيها لساشا قبل رحيله، ثم
ذهب إلى مخدعه، ونام نوماً متقطعاً، إلى أن حانت ساعة الرحيل لتبدأ محنة
الكاتب العظيم ليو تولستوي! قال لطبيبه: «دكتور ماكوفتسكي لن نحمل معنا
أشياء لا ضرورة لها». لكن طبيبه وصديقه يقول له: هل فكرت يا ليو جيداً في
العواقب المترتبة على هذه الرحلة؟! أعني صحتك! أنت لم تعد ذلك الرجل الذي
كان يقضي الساعات في قطع الأخشاب في الغابة؟! وإنك معرّض لنوبات قلبية قد
تصل إلى حد الخطورة؟! بعد أن استمع تولستوي لصديقه وطبيبه قال وكأنه لم
يسمع جديداً: حسناً، لنستعد في غضون نصف ساعة! ساشا أعدت كل شيء، وسوف
أرتدي ثيابي ونرحل• في هدوء. اقترب من غرفة ابنته، التي كانت في انتظاره
وكان واضحاً، أنها لم تنم ليلتها تلك حيث بدت إمارات الإرهاق على ملامحها•
وما أن اقترب منها حتى بادرته بالقول: «أبتي.. ألا زلت مصراً على ضرورة ما
أنت مقدمٌ عليه؟!». ساشا. لن نناقش هذا من جديد، يجب أن نسرع قبل أن تشعر
أمك بما يحدث، تعالي ساعديني في حزم الأمتعة.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:26 pm

تولستوي / الحلقة الثانية



وتمّ كل شيء، لرحيل الكاتب الكبير.. ابن الثانية
والثمانين، الفنان، الإنسان، الذي يفرّ وهو في أيامه الأخيرة! يفرُّ من
الثراء، والرفاهية، والرقابة المفرطة من الزوجة المحبة.. يفرّ إلى
المجهول..! إنها أعجب مغامرةٍ (طائشة) في تاريخ الأدب العالمي. قبل أن
تتحرّك العربة قال تولستوي بانفعالٍ شديد لابنته: «ساشا، لا تنسي، احتفظي
بكل أوراقي، مسودات رواياتي، يومياتي، أوراق روايتي التي بدأتها منذ
أسبوعين ولم أتمّ منها إلا الفصل الأول، إذ سأكتبها فيما بعد». فتجيبه
باكيةً: «اطمئن يا أبت..أرجوك.. لا تترك نفسك لهذا الانفعال المثير.. إنه
ضار بصحتك..». فيحتضنها معانقاً إياها ويقول: «اطمئني يا ساشا، سنلتقي في
أقـرب ممـا تتصورين!». انطلقت العربة.. نحو المجهول.. كانت ساشا تظن أن
أباها يعرف وجهته، ولكن الكاتب الكبير شُغل عن هذا برغبته الجامحة في
الانطلاق بعيداً قدر الاستطاعة عن إيزيانا/ بوليانا.. وعن صوفيا. وبزغ أول
نور للفجر وهم يسيرون في الطريق الوحيد الخارج من المزرعة إلى الجنوب،
وبينما كانت العربة تسير بهم، توجّه الدكتور بسؤال تولستوي:


- إلى أين نتجه؟!


- إلى أبعد مكان عن إيزيانا/ بوليانا! وعن صوفيا.


- هل تعني أنك لم تحدّد وجهتك؟! أهذا معقول؟! أي خطة هرب هذه يا ليو؟


- لنتجه إلى محطة قطار شيتشكينو.




بعد أن فكّر في عدم الاتجاه ناحية الجنوب، ابتعاداً عن منطقة (شاماردينو)
حيث تقيم أخته ماريا، فيسهل على صوفي اللحاق به هناك، لكن مدير المحطة
أخبره بأن عليه أن ينتظر لأكثر من ساعتين إذا كان سيأخذ القطار المتجه إلى
الشمال، فانتابه الرعب وقال: ساعتين؟! هذا يزيد فرص صوفي في العثور علينا!
وعندما اقترح عليه الدكتور أن يقضي الوقت في مكتب مدير المحطة.. قال
تولستوي: كلا.. كلا.. سيعرف من أنا على الفور، وقد يداخله الشك، فيتصل
بصوفيا، فنفاجأ بها أمامنا قبل وصول القطار، يستحسن أن نبقى هنا.! لكن
الدكتورينصحه بعدم الوقوف في الريح المثلجة، لأن صحته لن تحتمل هذا الجو
القارس. فيجيبه: سأحتمل كل شيء.. كل شيء. وفي القطار جلس الكاتب الكبير مع
صديقه الدكتور ماكوفيتسكي في مقعدين في الدرجة الثانية، ورغم محاولته
إخفاء وجهه بالياقة العريضة لمعطف الفراء السميك، فقد أخذ بعض الركاب
يتفرسون فيه كأنما يريدون أن يعرفوا حقيقة هذا الشيخ الهرم الذي يشبه
كاتبهم الكبير المحبوب ليو تولستوي. ودرءاً لمخاوفه من اكتشاف شخصيته يطلب
من صديقه الدكتور أن ينتقل إلى عربات الدرجة الثالثة، لكن ماكوفتسكي يبدي
عدم موافقته على الفكرة، فالجو قارس، ونوافذ الزجاج في الدرجة الثالثة
محطّمة، وإنه يخشى عليه من تتسلل الريح إلى جسده عبر النوافذ المفتوحة!
إلا أن تولستوي العنيد يصرّ على رأيه.. فذلك أفضل من أن يعرفه أحد من ركاب
الدرجة الثانية ويفتضح أمره.. فتعرف صوفيا وجهته..! وما هو إلا وقت قليل،
حتى وقع ما كان يخشاه! فكل ركاب عربة الدرجة الثالثة تعرفوا على كاتب
روسيا الأشهر، الرجل الذي عبّر عن أحلام الفقراء وآمالهم في معظم أعماله
الروائية، فمَن لم يقرأها منهم سمعوا بها أو استمعوا إلى فصول منها من
الرواة والأدباء الشعبيين في المقاهي أو في عربات القطارات، التي تسري في
كل أنحاء روسيا الشاسعة كما تسري الشرايين والأوردة في الجسم البشري،
فالقطار كان بطلاً في الكثير من الأعمال الأدبية الروسية. تحلّقوا حول
كاتبهم المحبوب، وهتفوا له، وأخذوا يتسابقون في إهدائه ما حملوه من أطعمة،
وحاول الدكتور ماكوفيتسكي إقناعهم بإعطاء الأديب فرصةً للراحة، لكنهم لم
يستجيبوا لرجائه، فابتعدوا مسافة نصف متر عن مقعد محبوبهم الكبير، ثم
شرعوا يمطرونه بأسئلتهم عن أفكاره، وآرائه، وأخذت الأسئلة تتلاحق. كيف
يمكن تطبيق مذهب اللاعنف وحكومة القيصر تصرّ على الحرب في الشرق الأقصى؟!
أهناك أمل أن يساهم كبار الملاك في إنشاء بعض المدارس الابتدائية لأولادنا
في مزارعهم وقراهم؟! لقد قبضوا على زوجي، وألقوا به في السجن بعد أن جلدوه
لأنه لم يستطع تقديم إيصال دفع ضريبة العام الماضي؟! أتوسل إليك أن تكتب
طالباً الإفراج عنه.. أيها الأب الكبير الرحيم إننا نحبك، ونقدّرك، ولكننا
على ثقة بأنه لا فائدة من كل ما تقول وتكتب، مع وجود النظام القيصري
القهري، ولأننا نحبك ولا نريد أن نفسد حياتك بمشكلاتنا، لا نرى لك إلا أن
تعتزل هذه الحياة الفاسدة في أحد الأديرة.. أليس هذا هو السلام الذي
تنشده؟! كانت ابتسامته الوديعة هي الإجابة عن كل تساؤلاتهم، إلا أن ملامحه
بدت مرهقة! ست ساعات من الصخب وهو يستمع إلى هذه الآراء الثائرة
المتناقضة، والحوارات الجانبية الغاضبة والساخطة أحياناً، حتى أوشك أن
يغمى عليه من رائحة الدخان، فهمس الدكتور ماكوفيتسكي في أذنه: في المحطة
المقبلة سننتقل إلى الدرجة الثانية مرة أخرى..! فالتفت إليه باسماً: المهم
أن نبتعد عن صوفيا! أجل هذا هو المهم! ليس هناك يا سيرجي ماكوفيتسكي ما هو
أغلى من الحرية..! وبلغ القطار قرية (كوزيلسك)، فقال له الدكتور: هذه آخر
محطة للقطار يا ليـو.. سنضطر إلى البقاء فيها إحدى عشرة ساعة في انتظار
القطار السريع.. فيصيح تولستوي: كلا.. كلا.. كلا.. لن أقيم في كوزيلسك كل
هذه الساعات، ففيها مزرعة كبيرة لصديقي تورجنيف، وستعرف صوفيا على الفور
مكاني! ثم يسأل عن المحطة التالية، فيعلم أنها أوبتيينا، وفيها دير ونزل
صغير يستقبل الزوار، فيقترح الدكتور أن يستريحا فيه ليومين أو ثلاثة!
وبينما كان تولستوي مع صديقه الدكتور في غرفتهما الصغيرة في النزل الريفي
الملحق بالدير، كتب في دفتر يومياته: ما أجمل الشعور بالأمان والاطمئنان!
ماذا يريد المرء من دنياه أجمل من هذا؟! القوت الضروري، والأمان.. ما
أسعدني! وتمدّد على الفراش لينام، وكان يدرك أن صوفيا أندريفنا ستفعل
المستحيل كي تلحق به لتعيده إلى إيزيانا/ بوليانا.. وظل الهاجس يراوده بأن
يفاجأ في أية لحظة يُطرق فيها باب الغرفة الصغيرة عليه ليجد نفسه وجهاً
لوجه أمام صوفيا!





أبو الشعب:



لا نكاد نرى في تاريخ الأدب العالمي فعلة غير
محسوبة العواقب كتلك التي فعلها ليو تولستوي عبقري الرواية الطويلة، والذي
عاش اثنين وثمانين سنة في الرفاهية والثراء، وفي ظل شهرة عريضة لم يحظ بها
أحدٌ في تاريخ الأدب العالمي، غير قلة قليلة من الكتّاب والشعراء
والأدباء.. لم تحرمه الحياة من شيء، وكانت كل مقومات الحياة السعيدة عند
أطراف أصابعه، فإلى جانب الثراء كانت هناك الزوجة المحبة والأبناء
العطوفون، والشهرة المدوية المصحوبة بحب كل من عاصره على أرض روسيا، حتى
الذين هاجمهم في رواياته وانتقد سلوكهم، أحبوه وعبّروا عن احترامهم لـه،
وحصل عن جدارة، على لقب (أبو الشعب)، وأبو الشعب ـ في ذلك الزمن على أرض
روسيا ـ لم يكن غير القيصر نيقولا الثاني، الذي كتب إلى تولستوي تحت ضغط
أدبي من زوجته الإمبراطورة ومن أبنائه، خاصة من ولي عهده المريض الأمير
أليكسيس، كتب قائلاً: «يسعدني أن أهنئكم بعيد ميلادكم الثمانين، وآمل أن
يساعدني الله على تحقيق الكثير من مشروعاتكم البنّاءة لخير الشعب الروسي
الذي يعتبركم أباً (ثانياً) له..». تهنئة القيصر هذه تتضمن معاني كثيرة..
اعترافاً بمشروعات تولستوي التي اتخذها بشأن الأراضي الزراعية، وحق من
يعمل فيها في شيء من خيراتها، وامتناناً لما ذكره تولستوي في روايته
(الحرب والسلام) عن دور القيصر الكسندر الأول، جدّ القيصر نيقولا الثاني
في تحقيق النصر على جيوش نابليون بونابرت، وتتضمن رسالة القيصر قبل كل هذا
وذاك، على غيرة قاتلة من اللقب الذي منحه الشعب لكاتبه المفكر الجريء ليو
تولستوي، فكلمة: (إنك الأب الثاني).. تحمل معنى ضمنياً، بأنني أنا الأب
الأول للشعب الروسي. ويمرّ عامان على هذا التكريم العالمي للكاتب العظيم،
ويبلغ العام الثاني والثمانين من عمره، وإذا به يسأم كل شيء، ويضيق ذرعاً
بكل شيء، فقد سئم الشيخوخة وأمراضها، سئم الثراء العريض وتكاليفه، وسئم
خرافات وثوابت الكنيسة التي يلح بها الأساقفة على الناس، وسئم التجسس
اللصيق، وهذه الرقابة الخانقة على ساعات حياته، على أوراقه، وعلى أحاديثه
مع أصدقائه وأنصاره.. تجسسٌ مشين.. وممن؟! من المرأة الوحيدة التي أحبته
وأحبها منذ خطبها، من صوفيا أندريفنا زوجته التي لم يشرك سواها في قلبه
على مدى أربعة وأربعين عاماً.







لقاء تولستوي بصوفيا:



ولعل من المناسب قبل أن نواصل الرحلة مع تولستوي
الذي فرّ من عالمه وهو في الثانية والثمانين من عمره، أن نعود نصف قرن إلى
الوراء لنقف على الأحداث التي جمعته بصوفيا أندريفنا، تلك الشابة الجميلة
العاطفية، وكيف وقعت في غرام ذلك الضابط الثري والكاتب المرموق (ليون
تولستوي). الفرق بينهما 16 عاماً، هي في السابعة عشرة، لم تغادر قط منزل
الأسرة ومزرعتها إلا لزيارة جدّها لأمها في مزرعته البعيدة، ولا تعرف
شيئاً عن عالم الرجال. أما هو فصاحب تجارب ومغامرات! إذا نزل موسكو تهافتت
عليه راقصات الباليه! فهو فوق قوته الهرقلية، وشبابه المتوثب، وشهرته
كروائي، تعترف أوروبا كلها بتفوقه، نجده شديد السخاء مع من يهفو إليها
قلبه! لأسبوع أو لأسبوعين، ثم يدخلها غابة النسيان في فكره ويتفرّغ لقلمه.
كانت تانيا شقيقة صوفيا، تخشى عليها من هذا الحب العارم الذي لا تؤمَن
عواقبه مع رجل مثل تولستوي، فهو لم يبح لها قط بما في قلبه! فتانيا ترى أن
أختها غرّة وساذجة، وتولستوي هذا إلى جانب علاقاته الواسعة بالنساء، فإنه
يكبر صوفيا بـ 16 عاماً، حتى أنه ليشاع أن أسرة القيصرة تتحبب إليه،
وتدعوه إلى مزارعها الكثيرة، أملاً في أن يطلب يد إحدى الأميرات! وقد
عبّرت تانيا عن رعبها من نظرات تولستوي لشقيقتها الكبرى المخطوبة لأحد
ضباط الجيش، وتتساءل: «أهو يسعى إلى صوفيا الرقيقة التي قد لا تتردّد في
قتل نفسها إذا ما فاتها الزواج به.. أم أنه يريد إقامة علاقة مع ليزا
المتكبرة والمغرورة؟!». وتولستوي، لا يفصح عما يريد! أو لعله يقدّم رجلاً
ويؤخر أخرى! أكان يفاضل بين ليزا و صوفيا.. أم بينهما وبين الأميرة أولجا
بنت أخت القيصرة؟! ذات يوم ذهب تولستوي إلى دار أسرة صوفيا، واستُقبل بما
اعتاده من أفراد الأسرة كلها بحفاوة وإشراق ـ باستثناء ليزا ـ التي تعمدّت
تحيته ببرود، كأنما هي تختبر حقيقة مشاعره نحوها، ففاجأهم بما لم يتوقعوه
بالقول: يسعدني لو تقبلوا دعوتي لزيارة مزرعتي إيزيانا/ بوليانا. فعبّرت
صوفيا عن فرحها باندفاع: أحقاً يا كونت؟! لقد سمعت عن مزرعتك الكثير،
وطالما تمنيت أن أراها! وقالت الأم: إنها أشهر المزارع القريبة من موسكو
يا كونت تولستوي، ويقال إن الدار الكبيرة فيها أكثر من أربعين غرفة،
ونشكرك على هذه الدعوة الكريمة، وسيكون من دواعي سعادتنا أن نقضي معك ومع
السيدة الكريمة والدتك الكونتيسة (ليوبوفا) وقتاً ممتعاً. وفي الموعد
المحدّد كان تولستوي في انتظارهم بالعربات التي ستقلّهم من محطة القطار
إلى مزرعة إيزيانا/ بوليانا• وتكتب تانيا شقيقة صوفيا في دفتر مذكراتها:
«كنا نحن البنات في مقدمة الركب! بينما كانت أمي في عربتها بين أبي وبين
الكونت تولستوي! وبعد ساعات من المسيرة التي طوينا خلالها أكثر من 4600
هكتار من الأراضي الزراعية! أمضينا أياماً بين المزارع والحقول التي شهدت
صبا تولستوي الباكر وشبابه، وأقمنا في داره الكبيرة التي كانت دائماً
تمثّـل قيمة رائعة في فن العمارة، وقد سألت والدتي تولستوي عما إذا كان
هناك من يشاركه هذه الأملاك الواسعة، فأجابها بأنه الوريث الوحيد، لكن أمه
هي المتصرفة في كل شيء، وفي كل مناسبة كانت تطالبه بأن يرفع عنها هذا
العبء لأنها تعبت في إدارتها، خاصةً بعد أن قام تولستوي بتمليك الفلاحين
للأراضي فأصبحوا أحراراً، ومن أجمل ما قاله في إجابته على والدتي: «إن
والدته كانت سعيدة بسعادة 350 أسرة تحرّرت من أبشع قيد على روح الإنسان..
قيد العبودية..». أما صوفيا فقد كان هيامها وغرامها بتولستوي قد سربلها
حتى باتت لا ترى منه فكاكاً! السعادة الغامرة التي عاشتها في تلك الأيام!
أيام زيارتها لمزارع تولستوي. ليو تولستوي! هذا الاسم الجميل! كانت تسرع
الدموع إلى عينيها الجميلتين لمجرّد ذكر اسم الحبيب الذي أشرف بنفسه على
راحة ضيوفه، وقد كتبت صوفيا هي الأخرى في يومياتها: «كانت الضيافة في قصر
المزرعة في غاية الروعة.. وتيسر لنا القيام بزيارات لبساتينها اليانعة،
فأكلنا من فواكهها التي جمعها لنا الكونت تولستوي بيديه في سلة كبيرة، كنت
أرقب الكونت في كل حركاته، كان مثال القوة والنشاط والحيوية.. تحدوه رغبةٌ
صادقة في إسعادنا بلا تكلّف.. في أثناء العودة.. سرتُ معه قليلاً، ولولا
أن والدتي وليزا كانتا ترقبانني، لأمسكت بيده! لم يكن هناك من هو أسعد مني
وأنا أرمقه وهو يساعد في إعداد فراش أختي تانيا بوضع مزيدٍ من المخدّات،
وكم فكرت فيه قبل النوم، وحلمت به أثناء النوم، وفتحت عينيّ عليه بعد أن
تيقظت..».







يتبع ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:29 pm

الحلقة الثالثة ..





عادت أسرة أندريفنا إلى مزرعتها، ولم يكن أحد
يتوقّع أن يلحق بها الكونت ليو تولستوي بعد يومين اثنين فقط من زيارتهم
له! وكتبت تانيا شقيقة صوفيا في مذكراتها: «أحسست بأن تولستوي لم يأت بهذه
السرعة لزيارتنا إلا ليطلب الزواج بأختي (صوفيا) ولكنه لم يفعل، وأدركت
بعد ساعات من الزيارة أنه يتحين الفرص ليخلو بها. يريد أن يخلو بصوفيا،
وأن يصارحها بحبه، ويسألها عما تكنه ناحيته من عاطفة.! غريبٌ أمر تولستوي
هذا. كيف لم يفهم مدى تعلّق وشغف صوفيا به، وهو الذي يعالج في رواياته أشد
العلاقات الإنسانية تعقيداً، خاصةً بين الرجل والمرأة؟! حاولت جهدي أن
أمكنها من لقاءٍ بعيد عن رقابة أمي وشقيقتي ليزا!» أما تولستوي نفسه، فقد
كتب في يومياته عن تلك الليلة القدرية في حياته: «كنت أريد أن أعرف حقيقة
عواطف صوفيا نحوي! إنها لا تفارقني بنظراتها! ولكن هذا لا يعني الكثير!
فالفتيات في مثل سنها يتخبطن عادةً في دوامة الانفعالات إذا أحسسن باهتمام
رجل بعينه! وهذه هي طبيعة المراهقة! يا إلهي! ما أكبر الفارق في العمر
بيني وبينها! إذا رفضتني فلن يكون ذلك إلا بسبب فارق السن! ولو كان في
المزرعة القريبة من مزرعة أسرة أندريفنا شباب قريب منها في السن لما شغلت
نفسها بي! ثم، ماذا يدفع شابة جميلة رقيقة مثل صوفيا نحو رجلٍ أجمع الناس
على بشاعة أنفه، وليس فيه أي شيء من سمات الوسامة؟! كان يجب أن أسألها
وأعرف إجاباتها بوضوح وصراحة؟!». ونتابع الموضوع نفسه فيما كتبته تانيا في
مذكراتها عن الأحداث في ذلك اليوم: «.. كنت قد ذهبت إلى غرفة الموسيقى في
الطابق الثاني حتى أفسح المجال للكونت تولستوي ليخلو بصوفيا، ومن عجبي
أنهما لم يختارا للقائهما غير غرفة الموسيقى! وما أن دخلا معاً، حتى
اختبأتُ خلف البيانو بحيث لا يرياني، وتوقّعت أن يمسك بيدها أو يصارحها
بمشاعره تجاهها! أن يكشف لها عن حقيقة عواطفه بأسلوبه الفني الذي اعتدناه
منه في رواياته! ولكنه كان كالصبي المضطرب الذي يجلس لأول مرة في حياته مع
صبيّة صغيرة! وقف أمام منضدةٍ كبيرة وسط القاعة وقال لها: «آنسة صوفيا! هل
تستطيعين تكوين جملةٍ كاملة إذا كتبت لك الحروف الأول من كل كلماتها؟!
فأجابته بمرح: لعبة الحروف؟! إنني أجيدها ياكونت، فأنا أتفوق على كل أفراد
أسرتي في هذه اللعبة! وهاهو الورق والقلم أمامك.. واكتب ما بدا لك. ولكن
ما هو الرهان؟! أجابها بصوتٍ مضطرب: «إن الرهان هو.. حياتي! وإليك حروف
الكلمات»، فكتبها لها وقال: «أتعرفين يا صوفيا أنك إذا توصلت إلى معرفة
الكلمات التي تبدأ بهذه الحروف.. اذكري أن حياتي هي الرهان». وتضيف تانيا
في مذكراتها: «إن صوفيا كانت أبرعنا حقاً في هذه اللعبة، وبعد لحظات حلّت
فيها لغز الحروف، قالت له بصوت مضطرب:»إن بدايات كل جملة من جمل الحروف
التي كتبتها هي: (شبابك، وحقك في السعادة، يذكرانني بقسوة بفارق السن!
سعادة كهذه.. هل تتحقّق لمثلي؟!). كان صوت صوفيا مخنوقاً بطوفان من
الانفعالات العاطفية التي غمرتها! أمسكت بيده ولم تقل شيئاً. وأخذ هو
بناصية الكلام، فقال لها: صوفيا.. إن أسرتك تخطئ في فهم السبب وراء
زياراتي لكم، والدتك على وجه الخصوص تظن أنني أريد ليزا.. في استطاعتك أن
تصححي لها ما يدور خطأً في فكرها..». أما صوفيا فقد دوّنت في مذكراتها:
«أدركت أن تولستوي يحبني وحدي! كان قلبي يدق بعنف، وفقدت القدرة على
التفرقة بين الحقيقة والوهم! كان شيء ما يصيح داخلي: «أيتها الغبية.. إنه
يحبك أنتِ! أنتِ وحدك! أنت وحدك.. أنت ولا أحد سواك..!»، وأوشكتُ أن ألقي
بنفسي بين ذراعيه، لكن أمي دخلت فجأةً إلى القاعة، وأمرتني بالذهاب إلى
غرفتي على الفور فقد حانت ساعة النوم.. ولم أنم! وفي الصباح، صارحتُ أمي:
«أماه.. أرجوك أن تستمعي إلي باهتمام! هناك من يظن أنني لست المقصودة
بزيارات نيكولايفيتش تولستوي! أماه.. الحقيقة أنه لا يأتي إلا من أجلي! من
أجلي أنا! إنه يريدني زوجةً له! ففاجأتني والدتي حينما قالت: صوفيا: لم
أتوقّع أن أسمع منك هذا الهراء! أنت واهمة ياصغيرتي، إن تولستوي يرغب في
أختك ليزا! وهذه رغبتي أيضاً، كما هي رغبة والدك!». وعندما أتى تولستوي
لزيارة أسرة أندريفنا.. لم تحدثه صوفي عمّا دار بينها وبين أمها، وبينما
كانوا جميعاً على مائدة الطعام.. دس خلسةً رسالةً في يدها، فأسرعت إلى
غرفتها، مزّقت المظروف في عصبية مرتعدة وقرأت: «أخبريني بكل أمانة ويدك
فوق قلبك! ودون عجلة.. أجل دون عجلة.. بحق السماء أخبريني يا صوفي! هل
تقبلين أن تكوني زوجتي؟! إذا كنت تقبلين هذا من كل قلبك بأمانة ودون تردد،
وبعد تفكيرٍ عميق، فقولي (نعم)، ولكن إذا داخلك أدنى شك في قدرتك على
الحياة طول العمر مع شخص مثلي فقولي (لا)، فالموت أحب إليّ من الحياة مع
إنسان أحبه كل هذا الحب الذي أحمله لك.. ولا يحبني..!». وفوجئ الجالسون
على مائدة الطعام بصوفيا تقبل لاهثةً من غرفتها، وبيدها الرسالة
ومظروفها.. يقف تولستوي للقائها.. يترامقان لحظة دون كلام.. فيقول تولستوي
في بطءٍ وهدوء: صوفيا أندريفنا هل تقبلين أن تكوني زوجتي؟! نعم.. أم لا؟!
وبصوتٍ متحشرج مضطرب، مغسول بدموعها ترد: نعم! نعم! نعم! هل سمعتم
جميعاً؟! نعم، نعم، نعم. اثنان وأربعون عاماً من الحب الزوجي النادر بين
عبقري الأدب الروسي ليو تولستوي وصوفيا أندريفنا..



لماذا الفرار؟!



بعض مؤرّخي الأدب اجتهدوا في تفسير ما قام به
تولستوي: أن تصرفه بالفرار من مزرعته، وهو العجوز ابن الثانية والثمانين،
في ليلة قارسة، دون أن يكون قد حدد مكاناً لإقامته، لهو من بعض أعراض
أمراض الشيخوخة وما يصطحبها من قرارات ارتجالية. هذا ما قاله من لا يحبون
تولستوي! أما أنصاره وتلاميذه أمثال صديقه (تشيرتيكوف) فقد كتب يقول: «لقد
تحمّل تولستوي الكثير من معارضات ومشاكسات زوجته صوفيا أندريفنا، ما لا
يتحمّله القديسون! كانت سجّانته بكل ما في الكلمة من معنى! تريد أن تفرض
عليه آراءها بشأن تنازله عن أملاكه للفلاحين! وبشأن علاقته بالقيصر!
وبالإمبراطورة! كانت تحدّد له من يجب أن يقابل أو لا يقابل من أصدقائه
وتلاميذه! بل كانت تريد أن تعرف أفكاره الروائية! وتطلب أن يكون لها حق
إقرار ورفض ما لا يتناسب مع أفكارها! كانت تحبه.. أجل..! ولكن حب التملك..
لا حب التضحية! لا أوجّه اللوم لصديقي تولستوي على فراره منها! ولولا أنه
شديد الإيمان بالله لقتل نفسه يأساً منها منذ زمنٍ بعيد!». وطلب تولستوي
من رفيق رحلته الدكتور ماكوفيتسكي أن يستعد للرحيل من غرفة الدير! فيخبره
الدكتور بأن نبضه غير مستقر، ولا يجوز أن يعرّض نفسه للإرهاق. فيقول له:
إنني بخير! ليس بي إلا التعب من قلة النوم، فالقطط كانت تموء طوال الليل!.
وفي الغرفة السفلية أيضاً امرأةٌ كانت تبكي وهي تناشد الله أن يغفر لها ما
ارتكبت من خطايا! لقد ظننت أنني سأجد الهدوء هنا! لنغادر هذا الدير!
لنغادره قبل أن تلحق بنا صوفيا! فيسأله طبيبه: إلى أين يا ليو؟!.. يجيبه:
سنسافر إلى مقاطعة (شاماردينو)، وهناك سنستأجر بيتاً ريفياً صغيراً
بحديقةٍ مزهرة! إنني أعرف سيدة سبق لها أن عرضت علي بيتها لأقيم فيه شهور
الشتاء في أي يوم أقرره! وقد أخفيت ذلك العرض عن صوفيا، وفي عزمي أن
أحقّقه في يومٍ ما! وقد جاء هذا اليوم المناسب يا سيرجي! هيا.. هيا! لنرحل
إلى شاماردينو فهو المكان الوحيد الذي لن تبحث فيه عني صوفيا.. وما أن
استقر، حتى كتب إلى ابنته الرسالة التالية: «عزيزتي ساشا، إن ما يحدث
عندكم يلقي على كاهلي عبئاً ثقيلاً، ورغم هذا فإنني أثق بقدرتك، وقدرة
أختك تانيا وأخيك سيرجي على تهدئة والدتكم! المهم هو أن تُفهموها،
وتُقنعوها بأنني لم أفعل ما فعلت إلا بسبب إصرارها على التجسس عليّ، وعلى
رغبتها العنيدة في السيطرة على حياتي، وتحريكي في كل أموري الحياتية
والفكرية حسب نظرتها الخاصة! حاولوا أن تقنعوها أن بغضها غير المنطقي
لصديقي وجاري العزيز تشيرتيكوف، كان يسوّد كل لحظات حياتي! فهو مع إخلاصه
الشديد لي، وتفهمه الذكي لكل أفكاري ومشروعاتي، لا يكنّ لها إلا كل احترام
وتقدير! اقنعوها بحق السماء بأنني أدرك الآن بوضوح أن الحب الذي تدّعي
أنها تحمله لي، كذبةٌ كبيرةٌ، وخبثٌ خادعٌ، لم أعد قادراً على التسامح فيه
لأن هدفه هو خنق حريتي! وقهر إرادتي! وإرغامي على التنازل عن أفكارٍ أؤمن
بها!. بقوة إيماني بالخالق العظيم. إنها لا تفهم أن هذا الأسلوب في
معاملتي سيؤدي بي في النهاية إلى الموت! كأنما هي تهدف إلى قتلي؟! حسناً
أعتقد أنها ستنجح في الوصول إلى هذا الهدف قريباً! فقد أكد لي الدكتور
ماكوفيتسكي أنني إذا كنت قد نجوت من النوبة القلبية الثانية، فلن أنجو من
الثالثة التي تسعى أمكم جاهدة إلى أن أصاب بها في أسرع وقت تتخيله! حسناً
لتأتي النوبة الثالثة لتخلصها مني! وتخلصني في الوقت نفسه من هذا الجو
المأساوي المروّع الذي تحملته لسنوات طويلة، والذي لا أريد أبداً مهما حدث
أن أعود إليه!».





صوفيا تكتشف فرار تولستوي!




عندما نرجع إلى ذلك اليوم الذي غادر فيه تولستوي
مزرعته، نتتبع خطوات زوجته صوفيا التي تيقظت في الحادية عشرة صباحاً،
ودخلت غرفة زوجها كالعادة بوجبة الإفطار فلم تجده! فأحست بأن شيئاً ما قد
حدث، فاتجهت إلى حيث كانت ابنتها ساشا: أين أبوك؟!

أجابتها بحزم: لقد رحل! حاولت صوفيا السيطرة على نفسها وسألت: رحل؟! رحل
إلى أين؟! قالت ساشا: لا أعرف! بدأت تباشير الغضب والتوتر تفرض نفسها على
ملامح صوفيا، فصرخت في ابنتها: كيف لا تعرفين؟! أهذا معقول؟! أنت الوحيدة
التي لا يخفي عنها شيئاً! فأبرزت لها ساشا تلك الرسالة التي تركها لها
زوجها! اختطفتها من يد ابنتها خطفاً! وما أن قرأت مضمونها حتى صاحت في
حزنٍ وبؤسٍ وغضب.. يا إلهي! ماذا فعلت بي يا ليو..؟! وفجأةً انطلقت
كالقذيفة تعدو نحو البركة العميقة في أقصى حديقة إيزيانا/ بوليانا وهي
تصيح: سأُغرق نفسي.. سأموت.. ما معنى الحياة بعدك يا ليو.. سأموت.. وليعلم
أينما كان في هذه اللحظات أنه قاتلي! ويسرعون خلفها، وكانت قد سبقتهم إلى
البركة، فألقت بنفسها في الماء دون أدنى تردد! وكانت على وشك الموت غرقاً،
لولا رئيس الخدم بولجاكوف وساشا اللذان استطاعا إخراجها من الماء وهي
تقاومهما! أعادوها بصعوبةٍ بالغة إلى مخدعها! وبعد أن ألبستها ابنتها
ثياباً جديدة، صاحت فيها في ثورةٍ وغضب: أبرقي إلى أبيك بأنني ألقيت نفسي
في البركة لأغرق.. قولي له إنني سأفعل ذلك من جديد إذا لم يعد..؟! فتهدئ
ساشا من روعها: أعطه وقتاً يا أمي.. فأنت تعرفين أبي خيراً مني! فتصرخ
بها: بل سيعود إذا عرف أنني سأقتل نفسي إذا لم يعد.. إنه يحبني! ثم تبكي
في توسل كأنما تتحدث إلى نفسها: لمَ فعلت ذلك يا ليو؟ أنت تعلم بأنني
أفديك بروحي! وأنت تحبني بأكثر مما تحب أحداً في الكون!! تحبني بأكثر ما
تحب أبناءنا وبناتنا! وتجهش متوسلة.. عُد يا حبيبي! عُد يا ليو إلى
حبيبتك! أغلقت عليها ابنتها ساشا باب المخدع، وذهبت لتعد لها شراباً
ساخناً، فقد كانت ترتجف من البرد! وبينما كانت في المطبخ، فوجئت ساشا
برئيس الخدم بولجاكوف يصيح: أسرعي يا آنسة ساشا، لقد كسرت الباب وانطلقت
تعدو نحو البركة مرة أخرى!! أعادوها هذه المرة قبل أن تلقي بنفسها في
الماء. ولما وُضعت على سريرها أحيطت بكل من في المنزل، حتى لا تتكرر
المحاولة! وعندما جاءها الطبيب، وجد أنها تعاني من نوبة هيستيرية! مما دفع
ابنتها ساشا إلى الاعتقاد أن والدتها تعاني مرضاً عقلياً! لأنها كانت
تمارس هذه التصرفات الهوجاء مع زوجها! لكن الطبيب يطمئنها أن ما تعانيه
أمها ليس إلا نوبة هيستيرية خوفاً على مصير زوجها! وربما إحساسها بالذنب
يدفعها إلى مثل هذه التصرفات! وبينما كانت ساشا تتحدث إلى الطبيب صاحت
فيها من على سريرها في شدة: فيم تتهامسان؟! أبرقي يا ساشا إلى جميع إخوتك،
وأخواتك، ليحضروا جميعاً، ليعرفوا ما فعل بي أبوكم.. أبرقي لهم كلهم..
كلهم. وما أن انتهت أوامرها ونواهيها حتى انخرطت في نوبة من البكاء!
فاحتضنتها ساشا، فقامت هي بدورها باحتضانها وقالت: أتوسل إليك يا ابنتي
اذكري لي مكانه لألحق به!!.. فأجابتها ابنتها: أماه! لو كنت أعرف إلى أين
رحل أبي! لما أخبرتك! لقد وعدته بذلك! فأفلتت نفسها من حضن ابنتها ودفعت
بها، وصاحت في وجهها وهي ثائرة: «أتحسبين أنني لن أعرف أين هو الآن؟!
سأعرف، سأعرف، وسأفرّ من هذا السجن الذي وضعتموني فيه لألحق به.. سألقي
بنفسي من النافذة. ثم تخنقها العبرات وتتشنج في نوبة من البكاء.. ليو..
ليو.. لماذا فعلت ذلك بي يا ليو؟! لماذا يا حبيبي؟!» وكان أول من علم
بفرار تولستوي من أهالي القرى المجاورة لمزرعة إيزيانا/ بوليانا، هو صديقه
تشيرتيكوف، وكانت له وسائله في معرفة مكان صديقه الكبير! وما أن تأكد من
مكانه حتى أرسل إليه مساعده سيرجينكو بتفاصيل ما حدث في مزرعته منذ رحيله!
فعقب تولستوي على ما سمع قائلاً: يا للسماوات! لم أكن أدري أنها على هذه
الدرجة من الحماقة! ثم سأل سيرجينكو:

ـ هل عرفت بمكاني؟!

ـ يا كونت! أنت تعرف أنها قادرة على أن تعرف مكانك، ودون شك أنها ستفعل!

واجتمع الإخوة والأخوات أولاد وبنات تولستوي، وانقسموا على أنفسهم في أمر
الخلاف بين أمهم وأبيهم، وكانت ساشا أكثرهم شجاعةً، حيث واجهت أمها بصراحة
وقالت لها:

«.. إذا شئت أن يعود زوجك إليك! فعليك أن تقنعيه بأنه سيعود إلى الحرية،
وليس إلى السجن! إلى الزوجة التي يحبها، وليس إلى الزوجة التي يخشاها على
أفكاره ومشروعاته! واذكري يا أماه أنك تتعاملين مع فنان كبير بلغ الثانية
والثمانين من العمر!».

أما الباقون من الأشقاء، فقد أيّدوا والدتهم التي اقترحت عليهم أن يرسلوا
برقية جماعية إلى الأب الهارب! لكن ساشا قالت لهم إنها لن تخبرهم عن
مكانه! إلا أن صوفيا أعلنت جازمةً أنها تعرف مكانه وطلبت من أولادها أن
يرسلوا البرقية إلى قرية شاماردينو، فصعقت ساشا.. وسألت أمها: ولماذا
شماردينو تحديداً؟!

فأجابتها: حدثني مرة عن رغبته في استئجار بيتٍ ريفي هناك! ثم إنني اطلعت
على أختام الرسالة التي بعث بها إليك وفيها كلمة شاماردينو! فأرسلوا إليه
البرقية وناشدوه فيها بالعودة وقولوا له: إنني سأموت كمداً إذا لم يعد!
وسيدخل هو التاريخ ليس بلقب الكاتب الكبير، بل بلقب قاتل زوجته!


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:33 pm


الحلقة الرابعة ..




يزعم بعض المؤرّخين أن صوفيا عرفت أن تولستوي
سينتهي به المطاف إلى شاماردينو! ويزعمون أن الدكتور سيرجي ماكوفيتسكي
طبيبه وصديقه ومرافقه، هو الذي أرسل إليها سراً ببرقية أطلعها فيها على
خطط زوجها! لكن ماكوفيتسكي قد كذّب هذه المزاعم في حوارٍ له مع أحد
الصحفيين فيما بعد.أما البرقية التي أُرسلت من مزرعة إيزيانا/ بوليانا إلى
شاماردينو فلا يزال نصها الأصلي، بخط صديقة الأسرة (فارفارا فيوريتوفا)
محفوظة حتى يومنا هذا في متحف آثار تولستوي في مزرعة إيزيانا/ بوليانا،
وقد جاء نصّها على لسان ابنه إيليا تولستوي نيابةً عن إخوته وأخواته.
ويقول فيها: «إننا نعرف يا أبي. كم كانت الحياة قاسية عليك هنا في
إيزيانا/ بوليانا! ولكن ألا تدرك يا والدي العزيز أنك جعلت من حياتنا
بدونك جحيماً لا يرحم؟! فأنت تعرف كم نحبك، ونخشى عليك متابعة الرحيل في
شهور الشتاء! كأنك يا أبتي قد نسيت أنك في الثانية والثمانين من عمرك! إن
أمي حزينة من أجلك، وكما تعرف، أنها في السابعة والستين من عمرها! وإنه
لمن واجبنا أن نحميك من عنادك وإصرارك على متابعة الهرب الذي سيسرع بأمنا
العزيزة إلى قبرها! واعلم يا أبتي أنه إذا حدث وماتت أمنا بسبب هذا
العناد، فستغدو مسؤولاً أمامنا وأمام التاريخ! وقبل هذا وذاك أمام الله!
عن هذا الخطأ•• الذي يصل إلى حد الجريمة! وقد اعترض بعض الإخوة على ما كتب
إيليا لأبيه بتحريضٍ من أمه! فتراجع عن بعض السطور خوفاً من حكمٍ قاس
بالعقوق يصدره عليه التاريخ... وكتب: «إنني لا أدينك يا أبي. ولكنني أتوسل
إليك أن تكون رحيماً بأمنا، فإن حالتها بعد الذي فعلته! لتدعو إلى الحزن
والأسى! التوقيع: أبناؤك المحبون».



وأصرّت صوفيا أن تكتب، بخطٍ مرتعش وفي صوت باكٍ، وهي تردد الكلمات التي
تسطرها على الورق: حبيبي ليوفوتشكا! على صدر من تضع رأسك الأشيب المحبوب؟!
على صدر غير صدر حبيبتك، التي تفتديك بروحها؟ على صدر غير صدر صوفيا؟! وقد
وجدت رسالةٌ ـ في متحف تولستوي ـ كتبتها صوفيا إلى زوجها نكتفي منها
بالعبارات التالية: «ليوفوتشكا.. حبيبي.. عد إلى عشك يا عصفوري الجميل..
أنقذني من الانتحار.. فهذا هو مصيري إذا لم تعد.. لماذا تفرّ مني يا
ليوفوتشكا؟!.. تفرُّ من رفيقة العمر كله؟! عُد.. ستجدني دائماً كما كنت..
سأكون طوع بنانك.. سأتنازل عن كل مظاهر الثراء والرفاهية.. أصدقاؤك
سيصبحون أصدقائي، سأكف عن التدخل في عملك وسؤالك عن أفكارك السياسية
والدينية.. يا حبيبي ليوفوتشكا.. أعرف أن لك آراءك الخاصة في شأن التقاليد
الأرثوذكسية.. ومع هذا فأنت تؤمن مثلي بالأساسيات والثوابت.. ألا يقول
الإنجيل إنه لا يجب على الرجل أن يهجر زوجته؟! عُد يا ليوفوتشكا، فلا حق
لأحد غيري في إسبال جفنيك لحظة موتك.. ولا حق لغيرك في إسبال جفني حين
يأتي أجلي!! ليوفوتشكا.. أين أنت؟! هل صحتك على ما يرام؟! بحق السماء ابعث
لي ولو كلمة تدخل الطمأنينة إلى قلبي.. أبناؤنا كلهم حولي.. ولكنهم أعجز
من أن يمنحوني لحظة واحدة من الطمأنينة والأمن وأنت بعيد عني.. أنت وحدك
قادر على ذلك.. عُد يا حبيبي..».



ولم تنس صوفيا تهديدها له بالبحث عنه، إذ اختتمت رسالتها بالقول: «إلى
اللقاء يا حبيبي! فلن أكف أبداً عن البحث عنك وإعادتك إلى إيزيانا/
بوليانا». حبٌ عجيب! حب الأنانية المفرطة! حب الاستحواذ المريض! بعد أن
أخذت ساشا عهداً من أمها، بعدم اللحاق بها فيما لو ذهبت إلى مدينة
شاماردينو للوقوف على أحوال أبيها، فوجدت صوفي أن في ذلك خطوة أولى تمهد
لها الاتصال بعزيزها ليو.. وفي شاماردينو التقت ساشا بوالدها الذي كان
تسلّم برقية ابنه إيليا، وكذلك قرأ خطاب زوجته•• ولأول مرة في تاريخ
علاقتها بأبيها، تتحدث إليه في شيءٍ من التأنيب إذ قالت له: ـ أبتي، كلهم
يجمعون على أنك ترتكب خطأً كبيراً في حق أُمنا، أيسعدك أن يحدث لها مكروه
بسبب ما تفعل؟!» ـ بل يتعسني كثيراً يا ساشا! ويتعسني أكثر أنك غيّرتِ من
وجهة نظرك تجاهي! ألم تكوني تباركين مشروعي هذا؟! ـ بلى يا أبي، ولكن لم
أتصور أن يكون رد فعل والدتي بهذا الشكل المأساوي! ـ كيفما كان الأمر يا
ابنتي، فلم يعد في مقدوري أن أفعل غير ما فعلت! وسأحزن كثيراً إذا أصاب
صوفيا أي مكروه بسببي! ـ أبتي•• لو اتخذت القرار من تلقاء نفسك، وتعود إلى
مزرعتك•• فتقارير الأطباء كلها تؤكد حاجتك إلى رعاية صحية مكثفة في
إيزيانا/ بوليانا وقد تكون عودتك مصدر سعادةٍ للجميع، بعد أن تعلّمت
والدتي الدرس وأدركت حجم الكارثة فيما لو ظللت في الوضع الذي أنت عليه
الآن..!! ـ «لعلك على حق في هذا يا ساشا! ولكن مجرّد عودتي على أي وضع
سيقتلني الإحساس القاسي بالهزيمة النفسية! ـ كلا يا ساشا، لن أعود حتى لو
أجمع كل أطباء الدنيا على حاجتي إلى العودة إلى إيزيانا/ بوليانا! وقبل أن
يخلد إلى النوم وجد نفسه مدفوعاً إلى كتابة الخطاب التالي: «صوفيا حبيبتي،
لن أعود! ولن أخبرك بالمكان الذي سأذهب إليه! وعليك يا رفيقة العمر أن
تتعايشي مع الحقيقة الجديدة، وهي أن ليو تولستوي قد خرج من إيزيانا/
بوليانا إلى الأبد! لا تظني أبداً أنني فعلت ذلك لنقصٍ في حبي إليك! كلا!
يعلم الله أن زهرة حبك في قلبي لا تزال نضارتها منذ رأيتك لأول مرة! إنني
لم أغادر إيزيانا/ بوليانا إلا للإبقاء على نضارة زهرة حبنا! بحق السماء
ألا تفهمين هذا يا صوفيا؟! وداعاً يا حبيبتي! وليرعاك الله، وليكن في
عونك!••».





المواجهة المأساوية:



أدركت ساشا أن أباها مضطربٌ أشد الاضطراب، وأنه قد
عزم على متابعة مسيرة فراره المأساوية، وأنه لا فائدة من أية محاولة
لإثنائه عن عزمه! عندما قال لها: ساشا يجب أن أغادر شاماردينو، ولا أدري
إلى أي مكان! ربما إلى القوقاز، فالحياة في الجبال تتناسب وصحتي، والجو
هناك منعش وخال من الرطوبة.. لقد عشت طفولتي في جبال القوقاز!



لكن صديقه الطبيب، يسأله فيما إذا كان يقوى على مشاق الرحلة إلى القوقاز؟! فيجيبه:

ـ لم لا! وأنت معي؟! هيا! هيا! لننم مبكرين حتى نبدأ الرحلة غداً مع بزوغ ضوء الشمس.\

كان تولستوي سعيداً رغم رنة الحزن في صوته، ورغم إحساسه بما يشبه الأزمة
الربوية! حاول جهده أن يخفي السعال ويمزجه بضحكات خفيفة، ولم يغب ذلك عن
فطنة الطبيب الذي اقترح عليه تأجيل الرحلة لأسبوع على الأقل، فانتابه
الذعر.. أسبوعاً؟!.. وهل تتركني صوفيا هنا أسبوعاً؟!.. وجاء الصباح.. ولم
يكن يدور بخلد الدكتور ماكوفيتسكي أن الحمى قد أمسكت بالجسد الواهي للعجوز
العنيد ابن الثانية والثمانين! وبينما هم في العربة، كان تولستوي يتحدث
إلى ابنته عن القوقاز وكيف أنه سيقيم في الأيام الأولى عند صديقه العزيز
دنيسنكو: إنه كاتب ممتاز يا ساشا! لا يعيبه إلا اهتمامه بالمحسّنات
اللفظية! لو ترك قلمه على السجيّة، لاحتل مكانةً مرموقةً في قائمة كبار
كُتّاب روسيا! لقد قلت له هذا مراراً، لكنه من مدرسة تورجنييف! وبينما هو
مسترسل فيما يشبه الهذيان! قالت له ساشا: أبتي، لا تجهد قواك بالكلام
الكثير.. فإن أمامنا رحلة طويلة بالقطار! لكن هزّات العربة الصغيرة قد
أتعبت جسده جداً، وما أن بلغوا محطة القطار حتى كان الكاتب الكبيرقد بدأ
يهذي. وركبوا القطار، وبعد أن سار بهم، سأل الدكتور: ـ كم المسافة التي
سنقطعها حتى نصل القوقاز يا عزيزتي ساشا؟!، قالت: ـ حوالي 1000 كيلومتر.
فقال الدكتور:

ـ يا إلهي! ثلاثون ساعة؟! وليو على هذا المقعد الخشبي غير المريح؟!

فأجابه تولستوي:

ـ وماذا في ذلك؟! إنني في صحة جيدة! وإن كنت استشعر صداعاً شديداً بعض الشيء، ولكن بمقدوري مواصلة الرحلة!

فيطلب الدكتور من تولستوي أن يعطيه يده ليقيس ضغط دمه.. ومدّ له يده، وبعد ثوانٍ ظهرت ملامح القلق على وجه الدكتور فقال بحزم:

- يجب أن نغادر هذا القطار اللعين في أقرب محطة.. فالحمى ستكون لها عواقب وخيمة إذا لم نتلافاها!



وكانت أول محطةٍ مجهولةً ولم يسمع بها أحدٌ من قبل، ولكنها أصبحت من أشهر
المحطات في روسيا بعد الأحداث التي وقعت فيها لكاتبهم الأشهر تولستوي وهي
محطة (أستابوفو). نزل تولستوي من القطار يجر ساقيه مستنداً على كتفي ابنته
وصديقه الطبيب.. وحين علم ناظر المحطة بالضيف الكبير للقرية النائية
والمنسية!. جاء مسرعاً وهو يقول: اسمي أوزولين يا صاحب السعادة، يسعدني..
ويشرفني أن تقيم في داري المتواضعة إلى أن تستعيد صحتك وعافيتك.. ثم أعدّ
سريراً مريحاً، وفراشاً ناعماً في أكبر غرفةٍ في بيته. رقد تولستوي وهو في
حالةٍ من الهذيان! ساشا، هاتي الشمعة وضعيها قرب فراشي! لماذا لا تأتي
صوفيا؟! لا بأس لعلها تتفقد أحوال الخدم!! وأين كراسة مذكراتي يا ساشا؟!..
كان يظن وهو في هذيانه.. أنه ـ كالعادة ـ يعيش في إيزيانا/ بوليانا. ونام
نوماً عميقاً بعد أن هبطت حرارته، وتناول شراباً من الشعير الساخن! في
الصباح وكأنما أحس بخطورة الموقف، فنادى على ابنته:

- هاتي ورقة وقلماً واكتبي هذه البرقية إلى صديقي (تشيرتيكوف)، وأخذ يملي
عليها: «عزيزي.. أصابتني وعكةٌ بينما كنت في القطار يوم أمس، أخشى أن تصل
أخبار ذلك إلى الصحافة، وقد شاهدني الكثيرون أثناء نزولي من القطار،
وسأتابع رحلتي إلى القوقاز.. أرجو أن تفعل المستحيل كي لا يتسرب خبر مرضي
للصحف وبالتالي ينتشر خبر سفري.. أبرق لي بكل ما يستجد! صديقك ليو
تولستوي..».



أرسلت ساشا برقية أبيها إلى صديقه وعادت إلى دار ناظر المحطة لتفاجأ
بالاضطراب الشديد الذي استولى على الطبيب ماكوفيتسكي إذ فاجأها بقوله: لقد
عادت الحمى يا آنسة ساشا، عادت هذه المرة بعنف، ولا أحب أن أتحمل
المسؤولية وحدي، فأبرقي إلى موسكو لاستدعاء الدكتور (نيكيتيين). وما هي
إلا فترة وجيزة حتى أُذيع الخبر في العالم: أن الكاتب الروسي الأشهر ليون
تولستوي يرقد ليموت في دار محطة مجهولة على الخريطة الروسية تُدعى
استابوفو.. وأمسك عشّاق تولستوي في العالم أنفاسهم وهم يسمعون تلك
الأخبار.. في الغرفة البسيطة التي أعدها له على عجل في بيته ناظر محطة
القطار، كان تولستوي يرقد بعد أن بلغ من الضعف أشدهّ! ويسأل ابنته: ساشا،
أتحسبين أن أمك ستعرف مكاني؟!.. تجيبه في حدب وقلق: أبتاه! لا تشغل نفسك
الآن بأمي، من المؤكد أنها ستفهم، ولن تحاول البحث عنك! أرجوك يا أبي لا
تكثر من الكلام، فأنت متعب! وتغادر ساشا غرفة أبيها.. لتقول للطبيب:

ـ إنها رحلة القطار! نوافذه كلها محطمة، والعاصفة الثلجية اللعينة!

ـ وعناد أبيك، فما كان يجب أن نغادر شماردينو، ولكن سنتمكن بعون الله من
اتقاء خطر الالتهاب الرئوي! فالغرفة دافئة وهو بحاجة إلى الهدوء!

وكتبت ساشا في دفتر يومياتها: «لقد أجلى السيد أوزولين ناظر المحطة وصاحب
البيت الذي يرقد فيه والدي.. أجلى زوجته وأولاده، ولم يُبق إلا خادمة
للمطبخ لتلبية طلباتنا.. وعندما حاولت أن أدفع له بعضاً من المال لمساعدته
على التكاليف.. مال الرجل على يدي ولثمها وهو يبكي ويقول: بحق السماء!
دعوني أقدم ما أستطيع للرجل العظيم الذي أسعد المئات من البشر حينما أطلق
سراحهم من عبودية المزارع!».



يتبــع ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:36 pm

الحلقة الخامسة :



بعد أن انتشر خبر وجود تولستوي في تلك المحطة،
وأصبح يحتل مكان الصدارة.. في معظم صحف العالم، ثارت ثائرة صوفيا مهددةً
بكل الأسلحة التي تملكها، بالبكاء وبالتهديد بالانتحار، مستخدمة نفوذها في
مقاطعة (تولا) إلى درجة أنها استطاعت أن ترغم مدير السكك الحديدية على
إعداد قطارٍ خاص لينقلها إلى استابوفو!!.



وكان قد سبقها إلى تلك القرية، صديق تولستوي تشيرتيكوف، ومعه صديقه الثاني
سيرجينكو، اللذين أدخلتهما ساشا على أبيها بإذن منه، بعد أن علم بوصولهما.
وبلهجةٍ تدل على وهنٍ و ضعف قال تولستوي بما يشبه البكاء:

ـ «.. آه ياصديقي تشيرتيكوف، لشد ما افتقدتك.. أرجوك لا تقبل يدي."

فيشهق تشيرتيكوف بالبكاء! ـ صديقي.. أستاذي.. كان يجب أن تطلعني على
مشروعك هذا! ـ أرجوك يا تشيرتيكوف، من أجلي كف عن البكاء! أنت أول من يعلم
أنني لم أكن أستطيع المقاومة أكثر مما فعلت! جاء ناظر المحطة السيد
أوزولين مضطرباً، وانتحى بساشا جانباً حيث قال لها هامساً: «يا آنسة ساشا،
علمت من برقية وصلتني منذ لحظات من زميلي ناظر محطة تشيشكينو، أن
الكونتيسة صوفيا، أرغمت مدير السكة الحديدية في منطقة تولا، على أن يخصص
لها قطاراً ينقلها إلى هنا! وقد تحرك القطار منذ ساعة و سيصل إلى هنا في
الليل". وعلى الفور عقدت ساشا اجتماعاً ضم الدكتور ماكوفيتسكي
وتشيرتيكوف..



فقال الطبيب: ـ إن وصول صوفيا في هذه الظروف سيحدث عاصفةً لن يحتملها قلبه
الضعيف.. فلا بد من منعها منعاً باتاً من الدخول عليه.. ـ هذه مهمتك إذن
يا دكتور، فأنت صاحب القرار الأول والأخير في هذا الأمر! إذا قلت لوالدتي
إن مقابلتها له ستعجل بأجله، سنُساندك جميعاً مهما قالت أو فعلت! ـ ولكنني
أخشى أن تتغلب الكونتيسة علينا جميعاً، إنها حبه الأول وحبه الأخير،
وأقترح يا ساشا أن تبرقوا إلى ولده سيرجي ليأتي حتى يكون إلى جانبنا في
مواجهة الكونتيسة! لكن ساشا لم تؤيد اقتراح تشيرتيكوف بالإبراق إلى سيرجي،
لأنه يساند أمه دائماً في كل خلافاتها مع أبيه..! إلا أن سيرجي كان أول من
عرف مكان أبيه من الصحف، وسبق أمه الكونتيسة إلى استابوف.. فتصدت له ساشا
على الفور بألا يدخل على أبيه! فكان عنيفاً في رده. ـ "بل لا بد أن أدخل
عليه على الفور.. إنني لم آت كي أجلس في هذا البيت التعيس، بينما أبي
العظيم ليو تولستوي يموت في غرفة حقيرة تافهة! ـ "سيرجي أرجوك، سيغضب أبوك
إذا عرف أن أحد أولاده قد عرف مكان عزلته، وجاء على غير إرادته..».

ـ «إذا لم تدخلوني على أبي في الحال•• ناديته بأعلى صوتي»..

ـ «دعني أسبقك إليه لأمهد للمقابلة، إذ أن المفاجأة برؤياك، قد تزيد من متاعبه الصحية!!».

ـ بل سأدخل معك ومع ساشا يادكتور!



ولم يكن هناك من مفرّ إلا النزول عند رغبة الابن الذي كان دائماً مصدر
متاعب نفسية لأبيه. مال الدكتور ماكوفيتسكي على فراش الرجل المريض، وهمس
قرب أذنه: كونت.. كونت! وفتح الرجل عينيه! وتابع الدكتور: ولدك سيرجي معي
الآن في الغرفة! لمعت نظرة خوف بائسة تبدت في عين الرجل الكبير، ولكنه
ابتسم رغم ذلك لولده، الذي أمسك بيد أبيه وقبّلها في احترام بعد أن انسابت
دموعه ساخنة: أبتي.. أبتي.. لماذا؟! فيتوجه إليه تولستوي بالسؤال مباشرةً:

ـ كيف عثرت على هذا البيت؟!

ـ مصادفة يا أبي!!.. كنت في القطار الذاهب إلى (جورباتشيفو)!!.. فأخبرني أحد الركاب أنه كان معك في القطار القادم إلى هنا!

ـ ومن أين كنت قادماً في طريقك إلى جورباتشيفو؟!

ـ من موسكو يا أبي!

ـ وأمك؟!

ـ لم أرها، إنها في إيزيانا/ بوليانا! إنها لاتريد أن تغضبك بالحضور إلى هنا!

ـ وكيف عرفت أنها عرفت بمكاني، وقد كنت في موسكو؟!

ـ اتصلت بها برقياً قبل حضوري إلى هنا يا أبي، وعلمت من أختي تاتيانا في
برقية لها أن معها ممرضتين تسهران عليها، وقالت لي أختي في البرقية: إن
أمي تفهم تماماً دوافعك إلى ما فعلت، وأنها استكانت إلى الموقف..! وكان
تولستوي وهو الكاتب العبقري ذو الحوار الذكي البارع، الخبير كروائي بدوافع
النفس البشرية، يعرف أن ولده سيرجي يكذب في كل ما قاله.. ومع هذا قال
حينما أراد الطبيب أن يحكم الغطاء حوله:

«لقد سعدت جداً برؤية سيرجي يا ماكوفيتسكي.. لقد.. لقد.. قبّل يدي.. ولم
يكن يفعل ذلك أبداً.. لكم أسعدني ذلك.. رغم يقيني أنه كان يكذب».



وصول صوفيا إلى المحطة:



كان دخان القطار الذي يحمل صوفيا ينفث دون توقف!!
كأنه نذير شر.. وكان على رصيف المحطة كل من سيرجي والطبيب ماكوفيتسكي الذي
كان يدرك أن صوفيا ستصب عليه جام غضبها، لكنه أصرّ على استقبالها
بالتعليمات التي تساعد على استعادة عافية مريضه العجوز! ونزلت الكونتيسة
صوفيا أندريفنا! ونقرأ عن تلك اللحظات، ما كتبته ابنتها ساشا في مذكراتها:
«كنت على ثقة بأنها ستتهمني بالتواطؤ مع أبي، وتدبير أمر فراره من القصر
في غفلةٍ منها! وقفت من وراء النافذة أرقبها من خلال النور الخافت في
المحطة وهي تعبر الطريق الحديدي نحو البيت! أشفقت عليها كل الإشفاق، وهي
تسير مقوسة الظهر، مستندةً على ذراع أخي سيرجي، وكان خلفها كل أخوتي..
وأخواتي!



أحسست بأن الأسرة كلها ما جاءت لكي تعود برب البيت!!.. إلى قصره في
إيزيانا/ بوليانا! وإنما لتشيعه من بيت ناظر محطة استابوفو إلى مثواه
الأخير! أدركت أن ذبالة الحياة في جسد أبي لن تقوى على مقاومة عاصفة الغضب
التي توشك أن تنطلق من صدر أمي! رغم حبها الجارف لأبي! أحسست بسعادةٍ
غامرة، حين هرع نحوي الدكتور ماكوفيتسكي ليزف لي خبراً:

ـ اطمئني يا ساشا، جميع أفراد الأسرة يدركون خطر دخول الكونتيسة على أبيك!
والغريب في هذا! أن أمي قد أقرّتهم جميعاً على ذلك مادام هذا سيعجّل بشفاء
ليوفوتشكا العزيز!».



أعلن ناظر المحطة لكل من ساشا والطبيب أن قطارات كثيرة تتجه الآن إلى
محطته!!.. ولم يعد أحد في روسيا كلها يجهل أن كاتبهم الكبير ليو تولستوي
يرقد مريضاً في هذه القرية الصغيرة، فالصحف قد أبرزت هذا في صفحاتها
الأولى! ومرت الليلة الأولى لوصول الكونتيسة! دون مفاجآت! ومع صباح اليوم
الثاني جاء الدكتور نيكيتيين، وهو من أهم أخصائيّ الحميّات في موسكو..
وبعد الفحص، كتب: إن صديقنا الكاتب العظيم في حالة محزنة من الضعف
الجسماني، النبض غير محسوس بسبب الالتهاب الرئوي.. ولكن لن نفقد الأمل،
فهناك علامات مشجعة، وهي أن الحرارة قد هبطت إلى (37 درجة)، دخلت ساشا على
أبيها! أذهلتها حالته! رأته لأول مرة منذ أن رقد على هذا الفراش البسيط،
وقد اعتدل في رقدته، يدوّن شيئاً في ورقة صغيرة بقلمٍ من الرصاص، ويدير زر
ساعته الفضية الكبيرة ذات السلسلة الطويلة.. استقبلها في مرحٍ طافحٍ على
محياه:

ـ ساشا! أعتقد يا ابنتي أنني في حاجة إلى كوبٍ كبيرٍ من الحليب الساخن!

ـ ما أسعدني بما طلبت يا أبي.. سأعده لك حالاً!

ـ لا! ليس الآن يا ساشا! اجلسي بالقرب مني هنا على الفراش، وخبريني ماذا
قال دكتور نيكيتيين عن حالتي؟! أنت تعرفين دكتور نيكيتيين هذا، كان له رأي
خاص في روايتي(آنّا كارنينا)، وفي رأيه أن انتحار (آنّا) كان.. و..

ـ أبتي أنت في حاجة إلى الراحة بعيداً عن التفكير الأدبي المرهق!

ـ كنت أقبل أن أغادر القصر أفكر في رواية جديدة عن الشباب الرافض لتجاربنا! أعتقد أنكم معشر الشباب على حق! ولكن..

ـ مقاطعةً بحنان: أبتي! هذه الانفعالات ضارة بقلبك!

ـ كفّي عن هذا الهراء! متى سأغادر هذا البيت؟!

ـ ليس قبل أسبوعين يا أبتي..

ـ آه.. هاأنت تتعسينني بما تقولين! أسبوعان؟!

ـ حتى تسترد قواك كاملةً أيها البطل..!

ـ أنتِ على حق! الآن هاتي كوب الحليب الساخن!!..



وغدا بيت السيد أوزولين ناظر محطة قطار استابوفو مقراً لمن يقومون على
رعاية كاتب روسيا العظيم! ابنته الآنسة ساشا، وطبيبه الدكتور ماكوفيستكي،
والطبيب الكبير دكتور نيكيتيين الذي جاء من موسكو، رغم أنه من مشاهير
الأطباء في كلية موسكو الطبية. فهو يرقد فوق خشبةٍ خشنة قريبة من الغرفة
التي يرقد فيها الكاتب العظيم! أما زوجته الكونتيسة صوفيا والأولاد
جميعاً، فإنها أجرت اتفاقاً مع مدير السكك الحديدية في منطقة تولا! يقضي
بتحويل القطار الذي جاءت به لاستخدام عرباته لإيوائها وأفراد أسرتها، كما
تستخدم بقية المقطورات! للصحفيين والكتاب، وأعداد كبيرة ممن جاءوا
للاطمئنان على صحة كاتبهم! وكانت الكونتيسة داخل مقصورتها لا تكف عن
البكاء، يحيط بها أولادها وبعض أقاربها من أسرة أندريفنا، والكل ملتزمٌ
الصمت احتراماً لحزنها، بينما هي تصيح في عصبية شديدة: «من حق أي زوجة أن
تكون مع زوجها المريض! وأنا لست أي زوجة، أنا الكونتيسة صوفيا أندريفنا..
زوجة ليو تولستوي! ثم تشهق في البكاء! وتقول: أنا زوجته، وأخته، وأمه! بل
أنا حبيبته! لماذا لا تدخلوني إليه؟! أهو الذي أصدر هذا القرار القاسي؟!
لا أظن! لا أظن! لقد كان رحيماً بي دائماً! حنوناً معي في كل وقت! إنه
يتعذب الآن! لأنكم تمنعونني من الدخول عليه! أنا أعرف الناس بحبيبي.. ليو!
فتتدخل ابنتها (تاتيانا) مواسيةً أمها:

ـ إنها تعليمات الأطباء.. إنهم يخشون على قلبه من الانفعالات الزائدة. فتنظر إلى ابنتها كالنمرة الشرسة، وتصيح فيها بكل الحقد:

ـ بل قولي إنها تعليمات ودسائس تشيرتيكوف! هو الذي يرغم دكتور ماكوفيستكي
على قرار منعي من الدخول إلى حبيبي! وأنا بدوري سوف أُرغم ماكوفيستكي
اللعين على اعتزال مهنة الطب إذا حدث مكروه لحبيبي ليوفوتشكا! هو الذي
حرّضه على الفرار! وهو الآن الذي يحرمه مني، ويحرمني منه.. فتجيبها
تاتيانا:

ـ أماه! إن عدم دخولك إليه قرار من الدكتور نيكيتيين! فتنظر إلى ابنتها بعينين متوسلتين:

ـ تاتيانا! أرجوك يا ابنتي اذهبي إلى غرفة ناظر محطة القطار اللعين وانظري
من زجاج النافذة المطلة على غرفته، انظري إلى أبيك.. وعودي إليّ بأخباره!
أهو بخير؟! هل تناول الحليب الدافئ كما تعوّد؟!.. هل يقرأ؟!.. هل
يكتب؟!••.. بحق السماء!!.. بحق السماء! ليذهب أحدكم ويأتيني بأخبار
ليوفوتشكا!



كان تولستوي بعد أن استرد شيئاً من قوته يرغب في رؤية صديقة تشيرتيكوف،
وناشره (جوربونوف) الذي كان قد طلب إليه أن يحضره معه من قبل.. وبقي معه
لحظات أراد لها تولستوي أن تطول•.. لكن الدكتور ماكوفيتسكي حذرهما من
الحديث الطويل المجهد، إلا أن تولستوي تدخّل: دعهما يا ماكوفيتسكي! أريد
أن أعرف! ماذا أعد جوربونوف بشأن نشر كتابي الأخير (طريق الحياة)..

ـ ليو! إنك تريد مغادرة هذا البيت أليس كذلك؟! حسناً لن يحدث هذا إذا
أنهكت قواك في حديث طويل! أرجوك أن تستبقي قوتك حتى تغادر (استابوفو) في
الغد إن شاء الله!!..

فيفزع تولستوي كالمذعور: أغادر؟!... إلى أين؟! إلى إيزيانا/بوليانا؟!
مستحيل؟! مستحيل! بل سأعود إلى شاماردينو! كأنما فجأةً لاح له شيء:

ـ ماكو فيتسكي.. يخيل إلي أنني رأيت وجه سيدتين تنظران إلى داخل الغرفة من النافذة! من هما يا ماكوفيتسكي؟!

ـ لا أحد ينظر إلى الغرفة يا ليو..

ـ لعلها ابنتي تاتيانا؟! أو لعلها الكونتيسة زوجتي؟!

ـ أؤكد لك أن أحداً لم يقترب من النافذة! ربما تكون انعكاسات المارة في الطريق المجاور للمحطة!

ـ ربما.. ولكن.. من يدري.. قد تأتي صوفيا لتنظر من زجاج النافذة.. يجب تغطية الزجاج بستارة ثقيلة..

ـ قل لي بصدق يا ماكوفيتسكي: أين صوفيا الآن؟! فلا يجيبه..! فيواصل تولستوي حديثه: د\

ـ يجب أن تقنعوها بأن دخولها عليّ هنا يعني موتي، لن أحتمل الانفعال يا ماكوفيتسكي!!.. وأنت تعرف هذا جيداً!

رقد بعض الوقت، ثم استيقظ، ودون أن يحرك رأسه.. نادى على ساشا، التي اتخذت لها مكاناً على الأرض بالقرب من أبيها..

ـ ساشا؟! يخيل إلي أن أختك تاتيانا في الخارج!! هل جاءت إلى هنا؟! أيعني ذلك أن أمك أيضاً قد جاءت هي الأخرى؟!

ـ لم تأت غير تاتيانا يا أبتي!

ـ وهذه المخدّات الطرية تحت رأسي.. من جاء بها؟! إن عليها شارة قصري إيزيانا / بوليانا..!

ـ جاءت بها أختي بأمرٍ من والدتي!

ـ (كأنما يحدّث نفسه): الكونتيسة! كيف هي؟! ماذا تفعل؟! لا بد أنها مضطربة
جداً، خاصةً إذا علمت بحالتي؟!..هل تتناول طعامها بانتظام؟!

ـ أبتي اطمئن.. أمنا بخيرّّ..

ـ (بصوتٍ باكٍ): ساشا! المهم أنها لن تحتمل رؤيتي وأنا على هذا الحال!
وأنا أيضاً! قد أموت إذا بكت أمامي! تكلمي يا ساشا! أنت تعرفين أنه لا شيء
أهم عندي من صوفيا!

ـ أرجوك يا أبتي! إنك تؤذي نفسك بهذه الانفعالات!!.. أمنا بخير، وهي تدرك سبب مغادرتك القصر!





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الاسلام
عضو نشيط
عضو نشيط



عدد الرسائل : 46
تاريخ التسجيل : 09/01/2007

سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيره حياه الاديب العالمى تولستوى   سيره حياه الاديب العالمى تولستوى Icon_minitimeالأربعاء يونيو 20, 2007 2:42 pm

الحلقة الأخيرة :



ما نشرته الصحف يكذّب كل ما
قالته ساشا لأبيها عن أمها! حيث نشرت تفاصيل قصة فرار الكاتب الأشهر من
مزرعته، وقصة مغادرته قرية شاماردينو في قطار محطم النوافذ! وعن إصابته
بالالتهاب الرئوي الحاد! وعن أحزان الأسرة كلها! وما أصابها في هذا
الحادث! وتصدرت الصفحات الأولى صورة الكونتيسة وهي تبكي، وتحت تلك الصورة
وضِع عنوان: (سأتبع حبيبي ليوفوتشكا ولو إلى الجحيم! معه دائماً في الحياة
وفي الممات..) وبعد أن وصلت إلى محطة استابوفو، وفودٌ من الصحف والمجلات
وشركات السينما! وكانت الكاميرات كلها مركّزة على بيت أوزولين ناظر
المحطة! على الأبواب والنوافذ! بانتظار اللحظة الحاسمة لخروج الكاتب
الكبير!!



وصارت قرية استابوفو الصغيرة مهبط الآلاف من محبّي الكاتب الكبير! آلاف
البرقيات من الروس المقيمين في مختلف عواصم أوروبا! من باريس.. من لندن..
من برلين.. من ميونيخ.. تنهال على آلة البرق الصغيرة المتهالكة على مكتب
ناظر محطة استابوفو! ورغم البرد الشديد والريح المثلجة.. القارصة! توافد
الفلاحون من مختلف القرى والمزارع يحملون على عربات الجر! الأغطية
والبطانيات، ونصبوا خياماً في كل مكان حول بيت ناظر المحطة! قساوسة ورهبان
يركعون في الطين والجليد، يصلّون من أجل كاتبهم الكبير العجوز المريض!
والناس من كافة المناطق والقرى القريبة باتت ترسل مئات الأغطية ومطابخ
الحساء لخدمة القادمين إلى استابوفو من مختلف الجهات. لكن اللافت للنظر أن
الحكومة القيصرية لم تتحرك مع كل هذا الفيض العاطفي للشعب الروسي تجاه
كاتبهم العظيم! لسببٍ واضح! لأن القيصر والقيصرة يبغضون تولستوي أشد
البغض، فهو كان يطالب في كل مقالاته وكتبه و رواياته بإطلاق حرية العبادة
للمسلمين الموجودين في نطاق الدولة الروسية، وخاصةً مسلمي المناطق التي
احتلت بالقوة! كما كان تولستوي يسلّط في كتاباته الضوء على الظلم الذي كان
يتعرض له المسلمون!



أما الإمبراطورة فإنها كانت تكره كاتب روسيا الكبير تبعاً لكراهية الأفّاق
المشعوذ راسبوتين له! من هنا! لم نجد الحكومة القيصرية قد تحركت فيما يجري
في تلك القرية التي يرقد فيها ليو تولستوي، اللهم إلا تلك البرقية التي
أرسلها وزير الداخلية إلى عمدة استابوفو وجاء فيها: «اتخذ إجراءات مناسبة
في القرية والقرى المجاورة بالتنسيق مع من سنرسل من ضباط الوزارة! تحسباً
للمظاهرات التي قد يقودها الفلاحون والأجراء أنصار تولستوي والداعون مثله
إلى توزيع أراضي النبلاء على الفلاحين والعاملين فيها! اقبضوا فوراً على
أية عناصر شغب!». والرجل المريض لاهٍ عن كل هذا الذي يدور خارج غرفته!
تدور أفكاره كلها حول هموم مرضه، والهموم الأدبية! فيكتب بيدٍ مرتجفة:
«تركت لصديقي تشيرتيكوف الإشراف على نشر كتابي الأخير (طريق الحياة)..
لاتزال فكرة روايتي الجديدة عن الشباب غير مكتملة في رأسي! قضيت ليلةً
سيئة أمس! هاأنذا منذ ثلاثة أيام والحمّى تفتك بي! تفترسني افتراساً!
أعتقد أن صوفيا وأولادي جميعاً قد جاءوا إلى قرية استابوفو، وإن كان
الجميع يخفون عني ذلك.. لا أستطيع أن أكتب أكثر من هذا! فالقلم يرتعد في
يدي من فرط إحساسي بالحرارة!»



في اليوم الرابع.. أسفرت النهاية الحتمية عن وجهها! وهذا آخر ما كتبه
تولستوي في كراسته: أليس هكذا يموت الفلاح الروسي؟! وشرع يهذي.. حين أمسك
الدكتور ماكوفيتسكي بيده، قال له هامساً: يا صديقي.. أعتقد أنني سأموت..؟!
وهذا أمر طبيعي.. ولكن من يدري.. لعل الموت شيء غير هذا الذي أشعر به
يقترب مني.. ثم أخذ يهذي.. ابحث! ابحث! هذا ما يجب أن يفعله كل إنسان
عاقل.. أن يبحث، ويفكّر.. ابحث دائماً يا دكتور ماكوفيتسكي! حينما علمت
صوفيا أنه بدأ يهذي! غادرت عربة القطار! وهي في حالةٍ أشبه ما تكون
بالجنون! فمنعوها من الدخول إليه، فأسرعت إلى النافذة المجاورة للسور!
فرأته من خلال الزجاج.. راقداً ووجهه إلى سقف الغرفة! طرقت الزجاج
بأصابعها في عصبية! فلم يتحرك! أسرع ماكوفيتسكي وأرخى الستارة من الداخل،
فشرعت تصرخ مناديةً! ليوفوتشكا.. ليوفوتشكا.. ليوفوتشكا! فهرع أبناؤها
إليها وحملوها بعيداً عن البيت! التقط المصورون ورجال السينما صوراً كثيرة
لها وهي تصبّ اللعنات عليهم! أعادوها إلى عربة القطار!!.. التي كانت محاطة
بالكثير من رجال الصحافة والإعلام! ممن امتلأت بهم الطرق والحقول القريبة
من المحطة، وعلى طول الشريط الحديدي الذي افترشه الفلاحون! الصحفيون
يتشممون الأخبار عن صحة الكاتب الكبير، ويترقبون لحظات موته! شائعات كثيرة
عن مظاهرات قامت في القرى المجاورة، وعن إطلاق النار على المتظاهرين من
قبل الشرطة! المئات من رجال المخابرات القيصرية يندسون وسط الجموع!
برقياتٌ مشبوهة تصل إلى جهاز البرق في المحطة! كُتب في بعضها التالي:

ـ اطلبوا إلى تولستوي أن يتوب عن أخطائه..

ـ تُب إلى خالقك يا تولستوي! قبل أن تمثل أمام المحكمة الربانية!





والعشرات من هذه النماذج التي ثبت فيما بعد أنها قد أُرسلت من عملاء
القيصر! ولم يجسر أحد على ذكرها أمام الرجل المسجّى في غرفة الموت! في
صباح اليوم التالي يقدم إلى استابوفو الأب (فارسونوفي) رئيس القساوسة،
ومعه تكليف من القيصر بالدخول إلى الكونت ليتلقى اعترافاته في ساعاته
الأخيرة! وما أن سمعت صوفيا بذلك حتى تركت مقصورتها متجهةً نحو مكتب ناظر
المحطة! لن أسمح لأحد أن يدخل على زوجي ليزوّر عنه فيما بعد ما لم يقُل..
اطردوا هذا القسيس من (استابوفو).. ولولا حماية الشرطة القيصرية، لما نجا
القسيس القيصري من الشنق بأيدي الفلاحين على شجرة من أشجار الطريق، لكن
محافظ منطقة تولا جاء محاطاً بحماية الشرطة ومعه القسيس الذي طلب أن يدخل
ليتلقى اعترافات تولستوي قبل موته. لكن ساشا خرجت بكراسة أبيها وهي تصيح
في وجه الجميع: «اللعنة على من يريد أن يرغم أبي على ما لا يريد•• إليك
أيها المحافظ ما كتب أبي عن ذلك حين اشتد به المرض.. واسمع أنت أيها القس
المأجور•• اسمعوا ماذا كتب أبي لتريحوا أنفسكم من تلقي اعترافاته.. ثم
أخذت تقرأ أمام الحشود التي صمتت احتراماً لكلمات الكاتب الكبير.. «حين
يحوم الموت حول رأسي فلا أريد أن يقتحم لقائي مع ربي أحدٌ من رجال
الدين... أريد أن أقترب من خالقي في فيضٍ من نور المحبة.. وليس مع ثرثرة
كهنوتية... ثم رفعت رأسها من على الكراسة وقالت: أسمعت أيها المحافظ؟!
أسمعت أيها القس المأجور؟! والآن عودا من حيث جئتما قبل أن يندم من
أرسلكما بسبب ما سيحدث في هذه القرية من مذابح...! في الحادية عشرة مساءً،
ظن من حول سرير تولستوي! أن الحياة قد فارقت الجسد!!.. ولكنه تحرك قرب
الفجر!!.. سمعته ابنته يهمس:

ـ ساشا.. الآن أود أن تكون صوفيا بجانبي..

هرعت ساشا لأمها:

ـ أماه أرجوك لا تبكي أمامه.. لقد كان يهذي باسمك بأرق صوت سمعته من أبي..
كان مغمض العينين! ما أن شعر بوجودها.. حتى علت البسمة وجهه!!.. مدّ يده
نحوها! أسرعت تجثو إلى جانب فراشه! قبّلت يده.. لثمتها! أغرقتها بالدموع
الصامتة! أخذت تناغيه.. وتناديه..

ـ حبيبي! ليو تولستوي.. ليوفوتشكا! أحبك! أحست فجأةً ببرودة الموت في اليد المحبوبة!

وإذا بساشا وفي صوتها ضراعة باكية:

ـ أماه.. إن أبي..الآن مع خالقه..



لم تعلم الجموع في استابوفو بموت الكاتب الكبير إلا حين أرسل الدكتور
ماكوفيستكي بأوامر أوصاه بها الكونت بنصّ البرقية التالية: «إلى مزرعة
تولستوي في إيزيانا/ بوليانا أرسلوا صندوقاً لامعاً من خشب الجوز، مبطناً
بالزنك وبمقابض من الفضة الخالصة..». وكتبت صوفيا أندريفنا في كراستها: في
السابع من نوفمبر مات حبيبي ليو تولستوي، في السادسة صباحاً! لن أنسى لهم
أبداً أنهم أدخلوني عليه في اللحظة الأخيرة! بينما كان يجب أن أكون معه
قبلها بأربعة أيام! يا لهم من قساة! غلاظ القلوب!



[[color=Lime] جنازة الراحل العظيم:
[color:1ae3=Lime:1ae3]



كانت جنازة ليو تولستوي في استابوفو حدثاً قد جعل من تلك القرية الصغيرة
المنسية تغدو واحدةً من أشهر القرى الروسية بعد أن كانت لا يعرفها أحد على
خارطة روسيا.

تأثير الأديب العملاق ليو تولستوي في الأداب العالمية، لهو تأثير كبير،
إنه عالمي الاتجاه! إنساني النزعة! فبينما تقوقع ديستوفسكي، وبوشكين،
وتورجنيف، وجوجول في التركيز على الحياة الروسية!لم يشغلوا أنفسهم بالحياة
خارجها، كان تولستوي يقول في روايته (الحرب والسلام): «إن من لا يشغل نفسه
بحال البشر في كل أنحاء العالم، ويحصر فكره في بلده، لا يعتبر منتمياً
انتماءً حقيقاً للمجموعة البشرية!! إن مشكلات روسيا الاجتماعية في الريف
تمثلها قرية واحدة! كما تمثلها في الحضر مدينةٌ واحدة! فماذا عن العالم
الخارجي كله؟! ماذا عن آسيا؟! وماذا عن أفريقيا؟! ماذا عن جزر المحيطات؟!
نحن نعرف المسيحية ونتعايش مع رجالها ليل نهار، ولكن ما أقل ما نعرفه عن
الإسلام والبوذية وغيرهما من العبادات الأخرى!!..



هذه الفقرة على وجه التحديد في حوار أبطاله في روايته الشهيرة (الحرب
والسلام) استثارت حفيظة القيصر الروسي. فتولستوي أول كاتب يتعرض لإنصاف
المسلمين ممن يقعون تحت حكم الهيمنة الروسية، ولهذا فقد رفض القيصر نقولا
الثاني وزوجته القيصرة ـ التي تؤمن بشعوذة راسبوتين- رفضا أن يرسلا
مندوباً عنهما أو عن الحكومة القيصرية للاشتراك في جنازة أكبر كاتب روائي
عرفته الإنسانية، وواحد من كبار محاربي التفرقة العنصرية بسبب الأديان أو
الأعراق.. أجل رفض القيصر والقيصرة الاشتراك مع الشعب الروسي، بل مع شعوب
كثيرة أخرى في تكريم ذكرى الكاتب العالمي، وكان تولستوي وهو في رقدته
الأخيرة، يدرك أن هذا ما سوف يحدث! فقال همساً لطبيبه وصديقه ماكوفيتسكي:
«احذروا أن يجركم راسبوتين بأمر من القيصر إلى المحاكم الجنائية بانتقاد
أي تصرفٍ تجاه جثماني..». لأنه كان يتوقع أن زوجته الكونتيسة صوفيا ستوجه
نقداً جارحاً بأسلوبها العنيف للإجراءات التي قد تلجأ إليها الحكومة
القيصرية في تشييع جنازته، لأنها تبغض القيصرة وتنتقدها دائماً بسبب
علاقاتها المخزية براسبوتين، وكانت انتقاداتها هذه تُنقل إلى القصر
الإمبراطوري الذي لم يكن ينظر إلى تصرفات تولستوي في توزيع أملاكه على
الفلاحين إلا بعين السخط وعدم الرضا! وملاحظة تولستوي تلك قبل وفاته، لأنه
كان يدرك أن راسبوتين يحقد عليه بسبب إشاراته الصريحة إلى شعوذته ودجله،
وعبثه في القصر الإمبراطوري، وهذا الذي دفع راسبوتين يوماً لأن يقترح على
القيصر تجريد ليو تولستوي من كل أملاكه ومزارعه ووضع اليد على إيزيانا/
بوليانا.



ولكن كانت جنازة تولستوي من استابوفو في السابع من نوفمبر عام 1910 قد
تركت بعدها أحداثاً جساماً، كانت أحد الأسباب المباشرة لانقضاء أجل
القيصرية في روسيا التي انتهت بعد ستة أعوام من جنازة تولستوي فى 1971\1\71..
تمت
نرجو الاستفاده
قصه متعه اليس كذلك
بليز ارجو الرد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيره حياه الاديب العالمى تولستوى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صور النجم العالمى...رونالدينهو
» سيره علماء الفيزياء
» سيره علماء الفيزياء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المستحيل :: المنتديات الأدبية :: قسم سيرة الادباء-
انتقل الى: